استشارات و فتاوي

“الحمامة والعنكبوت” و”نأخذ من كل قبيلة رجلا”.. 5 معلومات خاطئة في ذكرى الهجرة


ترسخ في ذهن كثير من المسلمين معلومات عن الهجرة النبوية الشريفة وغيرها من أحداث السيرة لم تثبت صحتها، فالروايات المكذوبة وضعيفة السند والمتن غزت الأعمال الدرامية وبعض الكتب التي اشتهرت عن السيرة النبوية وخاصة حادث الهجرة وتناقلها البعض دون وعي أو علم أو دراية، فمثلًا قصة كبيض الحمامة ونسج العنكبوت لبيته على باب الغار، ليست قصة ثابتة وحقيقية على الرغم من شهرتها وهو ما لم يغب عن أهل العلم قديمًا أو حديثًا، فهناك عدة كتب حديثة حول رد الأكاذيب والروايات المجهولة في السيرة النبوية، منها كتاب السيرة النبوية الصحيحة لـ أكرم العمري، و”ما شاع ولم يثبت في السيرة النبوية” لـ محمد بن عبد الله العوشن، و”السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية” لـ مهدي رزق الله، وفي السطور التالية يرصد مصراوي بعضا من تلك الروايات التي شاعت ولكنها ليست صحيحة أو ثابتة في السيرة النبوية فيما يخص حادثة الهجرة النبوية الشريفة:

1 – قصة هجرة عمر بن الخطاب

مما اشتهر عن هجرة عمر رضي الله عنه أنه لما أراد أن يهاجر من مكة إلى المدينة تقلد سيفه وذهب إلى الكعبة وطاف بالبيت ثم أتى المقام وصلى فيه وقال: “شاهت الوجوه، لا يرغم الله إلا هذه المعاطس، من أراد أن يثكل أمه، أو يؤتم ولده، أو ترمل زوجته فليقني وراء هذا الوادي”، وهي رواية لا تصح سندًا، فيقول الألباني أن الاعتماد على القصة السابقة في ذكر هجرة عمر، مؤكدًا أن في اسنادها عن الزبي بن محمد بن خالد العثماني: عن عبد الله بن القاسم الأملي، عن أبيه بإسناده إلى علي، ثلاثة رجال مجهولين فلم يذكرهم أي احد من أهل الجرح والتعديل، وذكر الدكتور أكرم العمري في كتابه “السيرة النبوية الصحيحة، أن ما روي من إعلان عمر الهجرة وتهديده من يلحق به لم يصح.

وذكر عبد الله العوشن أن هجرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه كانت سرية استنادًا لما رواه البخاري عن البراء بن عازب: “…..ثم قدم عمر بن الخطاب في عشرين من أصحاب النبي..”، وما أخرجه ابن اسحاق عن تعاهد عمر مع عياش بن أبي ربيعة وهشام بن العاصي على الهجرة سرًا، وهو حديث صححه ابن حجر وغيره.

2 – مؤامرة دار الندوة “حتى بتفرق دمه بين القبائل”

وهي ما روي عن اجتماع قريش وتدبيرها لقتل الرسول صلى الله عليه وسلم وتقول تلك الرواية: “لما اجمعوا لذلك واتعدوا أن يدخلوا في دار الندوة ليتشاوروا فيها.. فاعترضهم إبليس في هيئة شيخ جليل وينصحهم بأن يأخذوا من كل قبيلة رجلا حتى بتفرق دمه بين القبائل..”. وهي على الرغم من شهرتها يقول عبد الله العوشن في كتابه “الشهرة لا تغني عن صحة الإسناد”، فقال عنها الشيخ محمد الصادق عرجون أنها ضرب من الخيال المجنون في كتابه “محمد رسول الله” .

3 – قصة الحمامة والعنكبوت
وهي رواية ذكرها الإمام أحمد في مسنده، تروي بداية خروج النبي من مكة واقتصاص الكفار أثره حتى صعدوا الجبل فمروا بالغار، “فرأوا على بابه نسيج العنكبوت، فقالوا: لو دخل ههنا لم يكن نسيج العنكبوت على بابه، فمكث فهي ثلاث ليال”، وقد علق على الحديث عدد من أهل العلم قديمًا وحديثًا، ونذكر منهم الشيخ الألباني الذي ذكر ضعف الحديث قائلًا أن آية “وأيده بجنود لم تروها” تؤكد ضعفه لأنها صريحة بأن النصر والتأييد إنما كان بجنود لا ترى، وقال أنه لا يصح حديث في عنكبوت الغار والحمامتين، وذكر عبد الله العوشن أن الحافظ بن حجر وابن كثير لم يحسنا إلا قصة نسيج العنكبوت فقط.

4 – نشيد طلع البدر علينا

وهو النشيد الشهير عن استقبال الأنصار للرسول صلى الله عليه وسلم قائلين:

طلع البدر علينا…من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا…ما دعا لله داع

قال عنه الحافظ ابن حجر أنه قد يكون في قدومه من غزوة تبوك لا في الهجرة، فثنيات الوداع هي من جهة الشام لا علاقة لها بالرحلة من مكة إلى المدينة، والروايات الصحيحة في دخول الرسول المدينة لم تذكر ما يثبت به ذلك ولا حتى إشارة إليه، إنما ما رواه البخاري عما قاله أهل المدينة عند وصول الرسول إليها في عدة روايات: “قدم رسول الله” وفي أخرى” صعد الرجال والنساء فوق البيوت وتفرق الغلمان والخدم في الطرق ينادون يا محمد يا رسول الله، يا محمد يا رسول الله”.

5 – كانت أسماء تحمل الطعام إلى الغار

على الرغم من شيوع تلك الرواية، إلا أن الصحيح أنها فقط جهزت طعام الرحلة هي وعائشة بينما كان طعامهما في غار ثور مما أعداه ومما كان يأتي به عامر بن فهيرة رضي الله عنه مولى أبي بكر رضي الله عنه، فيروي البخاري: “ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحة من غنم، فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء، فيبيتان في رسل، ولهو لبن منحتهما ورضيفهما حتى ينعق بها عامر بن فهيرة بغلس، يفعل ذلك كل ليلة من تلك الليالي الثلاث”.

مصراوي