ما وراء زيارة وزير الخارجية الأميركي للسودان؟
وضع وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، السودان ضمن قائمة 5 دول قرر زيارتها في إطار جولة إقليمية بدأت اليوم الاثنين بإسرائيل، وتشمل كذلك عمان والبحرين والإمارات.
وتُعَدّ زيارة بومبيو للخرطوم، يوم غدٍ الثلاثاء، الأولى لمسؤول أميركي بهذا المستوى، منذ سقوط نظام الرئيس المعزول عمر البشير، الذي فرضت عليه واشنطن جملة من العقوبات منذ اليوم الأول له في 30 يونيو/ حزيران 1989.
وقالت وكالة السودان للأنباء ( الوكالة الرسمية) إن بومبيو سيجتمع خلال الزيارة بكل من رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ورئيس مجلس الوزراء، عبد الله حمدوك، وإن المباحثات تتعلق بدعم أميركا للانتقال الديمقراطي في السودان وموضوع العلاقات مع إسرائيل.
وبدأت الولايات المتحدة بوقف المنح والقروض الأميركية للسودان بموجب الدستور الأميركي الذي يحجب ذلك عن الأنظمة الانقلابية، مروراً بوضعه ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب 1993 وفرض عقوبات اقتصادية عليه في 1997، إضافة إلى قرارات دولية صدرت ضد النظام أدت فيها واشنطن دوراً كبيراً.
وكانت كوندوليزا رايس آخر وزير خارجية أميركي زارت السودان، وتحديداً في عام 2005، حيث زارت إقليم دارفور المثخن حينئذٍ بالحرب الأهلية وجرائمها التي لا تزال تُلقي بظلالها على الأوضاع في السودان، حتى بعد سقوط النظام، ووقفت الوزيرة على ترتيبات تنفيذ اتفاق وقع في ذلك العام بين الشمال والجنوب انتهى بانفصال الأخير في 2011.
وفي أكثر من مناسبة، دعمت الإدارة الأميركية التغيير الذي حدث في السودان بزوال حكم البشير وحزبه المؤتمر الوطني، وصرحت علانية بدعمها السياسي المطلق للحكومة المدنية، وتكفلت بدفع أكثر من 300 مليون دولار لأجل الإصلاحات الاقتصادية في البلاد عبر مؤتمر برلين يونيو/ حزيران الماضي، الخاص بشركاء السودان، وهو أكبر مبلغ بين كل مبالغ الدول المتبرعة.
وشجعت واشنطن حكومة حمدوك على إجراء تسوية مع أسر ضحايا المدمرة كول التي دُمرت في خليج عدن 2020 ومع أسر ضحايا تفجير السفارتين الأميركيتين في دار السلام ونيروبي 1998، وهي تسوية وُضعت كشرط يمهد الطريق لشطب اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
وأكد بومبيو نفسه في اتصالات هاتفية مع مسؤولين سودانيين، وجود خطة للإدارة لإنجاز ذلك الشطب في الفترة المقبلة وربما قبل انتهاء الدورة الحالية للرئيس ترامب.
ولم تكن الإدارة الأميركية ولا وزير خارجيتها بعيدين عن اللقاء الذي جمع بين رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان في فبراير/ شباط برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أوغندا، إذ سبق ذلك اللقاء المثير للجدل في الأوساط السياسية السودانية، اتصال هاتفي بين البرهان وبومبيو، وتلاه اتصال مماثل بينهما، وبعد اللقاء تبادلا فيه التهاني على نجاح اللقاء.
ووفقاً لذلك التسلسل، تبدو خريطة أهداف مايك بومبيو، خلال زيارته للخرطوم، واضحة، وفي مقدمتها تشجيع الخرطوم على المضي قدماً في طريق التطبيع مع تل أبيب وإكمال ما بدأه البرهان ونتنياهو، مع تقديم المزيد من الحوافز التي تمكّن الاقتصاد السوداني من تلافي الانهيار الوشيك.
وليس بعيداً عن تلك المحفزات للزيارة، تتبع زيارة وزير الخارجية الأميركي بيوم واحد، زيارة لوزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان للخرطوم الأربعاء المقبل، وهي كذلك زيارة نادرة والأرفع من حيث المستوى لمسؤول سعودي منذ سقوط النظام السابق أو ما قبله.
وهناك هدف ثانٍ لا يمكن الدبلوماسي الأميركي تجاوزه خلال زيارته للخرطوم، يتمثل بتأكيد الدعم للحكومة المدنية التي تواجه ظروفاً سياسية واقتصادية صعبة، وتواجه الضرب تحت الحزام من عدة جبهات، أولها المكون العسكري، وثانيها النيران الصديقة من أحزاب داخل تحالف الحرية والتغيير الحاكم، وثالثهما من الدولة العميقة، ورابعها من جماعات ولوبيهات المصالح الاقتصادية التي تضررت في الفترة الماضية.
ومن نافلة القول الإشارة إلى أن دعم الحكومة المدنية لا يعني بأي حال لواشنطن التخلي عن المكون العسكري الذي ترى فيه ضامناً لاستمرار تعاون أمني قديم بين الخرطوم وواشنطن، ولا سيما في مجال مكافحة الإرهاب، إذ يعلم المكون العسكري وحده الكثير من أسراره.
الخرطوم – عبد الحميد عوض
العربي الجديد