رأي ومقالات

60 مليار دولار ،استلم السودان أقل من 18 مليار دولار، ذهبت معظم الديون لدعم نظام نميري وقليل منها لنظام البشير


اللامعقول في شرك الديون:
من أكبر المشكلات الاقتصادية التي يواجهها السودان الآن هي أزمة الديون وعواقبها الوخيمة . لفهم جذور المشكلة ومدي ظلمها نلاحظ أنه على الرغم من أن الدين يصل إلى حوالي 60 مليار دولار ، إلا أن أكثر من ثلثيه في الواقع ناتج عن الفوائد والغرامات المتراكمة. من 60 مليار دولار ، استلم السودان وأنفق أقل من 18 مليار دولار ، ذهب معظمها لدعم نظام نميري الديكتاتوري وقليل منه لتمويل نظام البشير.

لذا فإن العبث القاسي لا يتمثل فقط في أن على الشعب أن يدفع أموالاً دعمت دكتاتوريات لم ينتخبوا ، بل يتعين عليه أن تدفع أكثر من 40 ملياراً لم يستلمها في أسعار فائدة استغلالية. وأسوأ من ذلك ان عبء سداد هذه الديون يقع الآن على كاهل شباب لم يكونوا قد ولدوا بعد عندما تم التعاقد علي جل هذا الدين وتم صرفه. وفوق ذلك يتم الضغط عليهم أيضا للرضوخ لسياسات صندوق النقد الدولي التي يتم تبريرها على أنها الطريق الوحيد لمعالجة ازمة الديون رغم ان السياسات المقترحة في الواقع ستعمق الأزمة. اضف الِي ذلك انه حتى دراسات البنك الدولي الحديثة أثبتت ان نسبة معتبرة من القروض الأجنبية لدول العالم الثالث يتم الاستيلاء الفسادي عليها وتذهب لتمويل تهريب راس مال الفاسدين الِي الخارج.

لإيضاح كيفية نشوء الورطة وترسيخها ، من الممكن سرد القصة المعروفة التي أعاد ديفيد غريبر سردها في كتابه الرائع عن تاريخ الديون في الخمسة ألف عام السابقة.

كما هو معروف, يروي غريبر ان الخلفية التاريخية للديون تعود الِي ان بلدان أوبك – بعد ان تضاعفت أسعار النفط أربعة مرات عقب أزمة النفط في السبعينيات – ضخت الكثير من ثرواتها الجديدة الِي البنوك الغربية, وبالذات الأمريكية, بحيث لم تستطع البنوك ان تجد مجالا لاستثمار كل هذه الأموال. بدأت البنوك الأمريكية بالتالي في إرسال وكلاء حول العالم لإقناع الحكام المستبدين والسياسيين في العالم الثالث بأخذ قروض بدأت بمعدلات فائدة منخفضة للغاية ثم ارتفعت سريعا الِي حدود 20 في المائة أو نحو ذلك بسبب السياسات المالية المتشددة في الولايات المتحدة في أوائل الثمانينيات. وقد أدى ذلك ، خلال الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي ، إلى أزمة ديون العالم الثالث ؛ وبعد ذلك تدخل صندوق النقد بـالإصرار على أنه من أجل الحصول على إعادة التمويل ، ستكون البلدان الفقيرة ملزمة بالتخلي عن دعم الأسعار. وهكذا تحول صندوق النقد الدولي الِي شرطي للديون حول العالم بشكل أساسي – أو المعادل المالي للأشخاص الذين يأتون لكسر الساقين في الأفلام.

باختصار لو كان الفرد قد ولد قبل سبعينات القرن الماضي, فان عليه ان يسدد ديون مولت دكتاتورية لم ينتخبها وتم صرفها في أغراض لا علاقة لها برفاهه , أما لو أنه ولد بعد السبعينات فان عليه ان يدفع فاتورة ديون تم صرفها قبل أن يولد وأن يتحمل مع ذلك الإهانة من الحكام وأبواقهم الذين يصفونه بأنه كائن استهلاكي غير منتج لا يستحق دعم السلع الأساسية.

د. معتصم الأقرع