السيدة بت يوسف

لم تكن بالنسبة لي أمرأة عادية.. كانت كل إرادة الاستمرار والسعي.. إمرأة صعبة المراس… ذات شكيمة وعزيمة لا تلين.. كانت في أحايين تتلبس ثوب الصعوبة ولكنها في ظاهر باطنها الرحمة.. (السيدة بت يوسف) حبوبتي لأبي ومشوار طويل معها جعل الكثيرين يوسمونني ويدمغوني بعبارة (انتي تربية حبوبات) وفي الخاطر مخافتها عليَّ من الدخول والخروج بقدر حرصها هي على كل تفاصيل المجاملة الاجتماعية لأهلها في مدينة الجريف غرب» وخارجها.. وعلى عمرها المديد لم تكن الا صاحبة قرار ونفوذ ولم تكن مستكينة بل شعلة ملتهبة من الحماس والكلام القاطع.. أذكرها جداً وهي تسهر الليالي تطوف بحمى (الحوش ونفاجاته) تتفقد الحاضر والغائب وتقوم بدور الرجل والمرأة عندما تعاطى بعض أبناؤها مع الغربة والتسفار.. أحياناً كنت اتحسس من مراقبتها وحرصها «دا منو؟.. ماشي وين؟ الدخل منو؟ .. المرق منو؟» لكنها كانت لحياتنا كحراس البوابات للقيم والمباديء.. إمرأة من الزمن الجميل المترع بزبدة وخلاصات الأصالة والعراقة.. منها تعلمت ان هناك قوى موازية لما نعتقد ونؤمن به غير ماهو مفروض فرضاً وسُنّة.. عزفت على يديها قانون العيب والالتزام بالعادات والتقاليد والصاح والغلط.. أذكر وأنا طفلة «بت سبع سنين» حدثت وفاة بالحلة وهي غائبة فما كان من جدي إلا أن طلب مني أن أعد له صينية غداء لبيت البكاء ولم يكن بالبيت أحد.. أعددت له الصينية بالصحون التي نستخدمها بالمنزل وعندما عادت اعطتني درساً بأنه كان عليّ أن أتخير أحسن الصحون والعدة فالكلام لا يكون إلا بالأحسن والأفضل… وتمر السنين وراءها توهن فللسِّن والعمر أحكامهما.. وانكسرت حركتها عندما انكسرت رجلها وأجريت لها العملية والتي من بعدها لزمت الفراش في رقاد كان آخره هذا الرحيل المتداعي.. فالسلوى قد جائتنا من كل المعزين الذين تكبدوا المشاق وقطعوا المسافات وخصونا بزمنهم الغالي ليقولوا «جعلها الله مع أصحاب اليمين».. لا أخفي عليكم أنّ يوم رحيلها كان مراً.. رغم أننا اعتدنا على أنها راقدة بغرفتها، وفي كنف أبنائها وبناتها رحمة واحتفاءاً بكبرها وعزماً على أن الجنة تحت أقدامها.. لم يكن خروج (عنقريبها) الذي عادوا به خالياً سهلاً علينا وعلى من يعرفونها ولكنها إرادة الله والحياة لتصبح «السيدة بت يوسف» قصة نحكي تفاصيلها موافقاً وتدليلاً من كل أبواب الحكي.. عندما نبكي ونضحك ونتسامر وماتزال المرارة في مذاقاتنا.. فالمرأة حفية بالدعاء والشكر كل الشكر للأخت (اعتدال أحمد) على الختمة التي أقامتها لروحها ومن كل ما أخص نفسي به.. أن أدعو لها الله الرحمة والمغفرة والقبول الحسن.
آخرالكلام..
عندما خرج عنقريب (حبوبتي) محمولاً على أكتاف الرجال تيقنت أن جيلاً كاملاً قد رحل بكل أشيائه وتفاصيله وقال الزمن كلمة حاسمة ارتضاءاً لقضاء الله وقدره فيا حبوبتي أنتي عند المليك المقتدر، وفي عدالة لا تعرفها إلا النفوس الكبار.. وداعاً (حبوبتي) و(بالكتير ياحليلك).
[/JUSTIFY][/SIZE] [LEFT][B]مع محبتي للجميع[/B][/LEFT]سياج – آخر لحظة
[email]fadwamusa8@hotmail.com[/email]

