هيثم كابو

هيثم كابو يكتب: (ياسين وخنساء) .. حالة خاصة!


كان من الصعب في مجتمعنا السوداني حتى وقت قريب أن يمنح الأخ أذنه بكامل الإصغاء ليستمع لشقيقته وهي تشدو بأغنيات شجية حتى ولو كانت تملك قدرات كوكب الشرق (أم كلثوم) .. فكرة الخطوط الحمراء التي توضع تحت (غناء النساء) لا تزال موجودة؛ ورغم التغيرات المجتمعية والمفاهيمية الكثيرة التي حدثت، فلا تزال التحفظات قائمة، وإن حاول الكثيرون السعي لإثبات غير ذلك .
] ظللت أتابع في السنوات الماضية باهتمام شديد تجربة غناء ياسين؛ وشقيقته التي تصغره بحوالي عام خنساء عبدالله خالد؛ اللذين يغنيان كثنائي بمحبة وتناغم تام؛ ويكونان (ثنائياً فريداً) جديراً بالتأمل والتحليل والاحترام .
] اللافت لـ(النظر) قبل (السمع)، أن تجربة غناء شاب وشقيقته معاً تمثل اختراقاً اجتماعياً كبيراً؛ وتعد انقلاباً لمفاهيم قديمة؛ وتجاوز لكثير من الرؤى الرجعية التي لا ننكر أنها لا تزال تسيطر على عقلياتنا رغم ادعاء معظمنا الاستنارة والمشي في دروب الوعي، وأحسب أن هذه الخطوة لعبت فيها أسرة ياسين وخنساء (الأب عبدالله خالد، والأم ايمان القدال) دوراً كبيراً؛ وإن كان غناؤهما معاً أمراً جميلاً؛ فإن الأجمل حقاً أن الشقيق الأكبر متصالح مع الفكرة حد المحبة؛ قافزاً بقناعة وفهم فوق مطبات العقد النفسية وحواجز القيود الاجتماعية .
] استمع المهتمون بالفن في السودان للفنانة عابدة الشيخ وهي تغني في بعض المناسبات والحلقات التلفزيونية برفقة شقيقها الأصغر أسامة الشيخ، إلا أنهما لم يرتبطا في الغناء مع بعضهما؛ ويكونا ثنائياً كياسين وخنساء يتحركان معاً في كل مكان ويصعدان في عالم الفن سوياً؛ ويمشيان في دروب النغم كتفاً بكتف ويصعدان الدرج عتبة عتبة، ويغنيان في (سلم واحد) وهنا يكمن تميز الثنائي الاجتماعي قبل الفني والذي يرقى لتصنيفهما كظاهرة لا مثيل لها؛ فهي (رفقة أخوية) جديرة بالدراسة المتأنية؛ وتأمل المتغيرات الاجتماعية في مساحة أعمق وأكبر من تقارير الصفحات الفنية ..!
] أقصى المراحل في (غناء الأخ وأخته) وصلناها مع عابدة الشيخ التي مدت يد العون لشقيقها أسامة عندما احترف الغناء بعدها بسنوات وأهدته أغنية (أصلو البي باقي)، التي صاغت كلماتها و ألحانها؛ كذلك سبق للمطربة الشابة نسرين هندي أن غنت في ألبوم إطلالتها الأولى بصحبة شقيقها وليد الذي لم يحترف مجال الغناء، وبالبحث في المشهد العربي على مر تاريخه نجد الأمر لم يتجاوز محطة تعاون (الشقيق مع شقيقته) دون الوصول للغناء كثنائي، وأبرز نماذج التعاون تجسدت في أخذ فريد الأطرش بيد شقيقته أسمهان، فلحن لها وشاركها التمثيل في أول أفلامها (انتصار الشباب)؛ كذلك لم يبخل محمد فوزي على أخته هدى سلطان بأغنياته وألحانه، وإن كانت قد فضّلت الاتجاه للتمثيل والغناء أكثر في الأعمال المسرحية والسينمائية؛ ولا يمكن أن ننسى أيضاً مواقف وديع الصافي الداعمة لشقيقته المغنية هناء الصافي التي اعتزلت بعد فترة قصيرة من احترافها الغناء مفضلة العيش كربة منزل وأم متفرغة لأطفالها وبيتها، وتبقى آخر النماذج محاولة نانسي عجرم مساعدة شقيقها نبيل عجرم الذي خذلته إمكانياته المتواضعة فلم ينل فيديو كليب (بياع الوفا) الذي قام بتصويره حظه من الشهرة والذيوع .
] إذا تجاوزنا التفرد الاجتماعي لظاهرة (ياسين وخنساء) وأردنا تقديم تحليل فني لتجربتهما كثنائي يتكون من (ذكر وأنثى) يصاحبان بعضهما بصورة مستمرة؛ ويغنيان معاً في لحظة واحدة بطريقة (الثنائي) التي تختلف بالطبع عن (الدويتو)، نجدهما يقدمان بلا شك تجربة مختلفة؛ وذات طعم مغاير وخصوصية؛ ليمثلان لوحدهما سابقة ولونية ..!
] من يستمع للثنائي الشقيق يلحظ أنهما يستدعيان الماضي؛ ويرددان أغنيات الحقيبة التي مر على إنشادها أكثر من مائة عام؛ ويقدمان تلك الأغنيات بطريقة تجد الاستحسان عند السامع؛ فالحفظ جيد؛ والنطق سليم؛ ومخارج الحروف صحيحة؛ والأداء غير مشوه؛ والحضور جاذب؛ والثنائية مقبولة؛ والإطلالة مريحة.
] أكثر ما يمكن أن نعيبه على الثنائي تركيزه الدائم على تقديم أغنيات مسموعة رغم أنهما يمتلكان أعمال خاصة يجب عليهما السعي لتقديمها رويداً رويداً؛ فالإكثار من الخاص ربما يكون منفراً للمستمعين الذين أعجبوا بهما في الغناء المسموع؛ إلا أن الاستسلام الكامل لتقديم أعمال حفظها الناس عن ظهر قلب سيجعلهما حنجرتين تدوران في فلك الترديد؛ وبنك الفنون لا يفتح اعتماداً لمطرب بلا رصيد ..!
] (الثنائية) التي هي ميزتهما الآن نجدها أكبر مهدد لمسيرتهما؛ فمع تقدم السن والدخول في تفاصيل زواج وتكوين أسر واستقرار؛ وربما الوضع قد يتطلب ابتعاد أحدهما عن الآخر؛ فإن حدث ذلك غالباً ما يتم وأد الفكرة؛ حتى ولو حاول أحدهما الغناء لوحده ففرصه في النجاح قد تبدو محدودة؛ ودونكم ما حدث لـ(تومات خيري) فعندما اعتزلت إيمان كان عمر أماني بالساحة الفنية شهوراً معدودة ..!
نفس أخير
] عليِّ صوتك بالغنا
لسه الأغاني ممكنة

هيثم كابو – صحيفة الانتباهة