عبد اللطيف البوني

اليوم 17 نوفمبر


(1 )
في هذا اليوم من عام 1958 كان المدرس والفنان الناشئ \ محمد عثمان وردي راكبا دراجته متجها لمدرسة الديم الصغري بالخرطوم كعادته فصادف احد معارفه فأخبره بأن هناك انقلابا عسكريا قد حدث البارحة اطاح بالحكومة الحزبية وان الجيش اصبح الآن هو الحاكم في البلاد فسعد وردي بهذا الخبر ايما سعادة وقام بتأليف قصيدة مع لحنها في ذات الوقت (في 17 هب الشعب طرد جلاده\ في 17 ولى الظلم الله لاعاده\ في 17 بعثت ثورة ثورتنا السلمية\لاضمائر تتباع \لا سادة لا رعاع \ افرح وطني هلل وكبر في يوم الحرية \جيشنا الباسل هب وعلا راية الجمهورية ) وذهب الى صديقه اسماعيل حسن لكى يتبنى تلك الكلمات ثم ذهبا للاذاعة وبثت على الهواء . لا يقلل من صدقية الفنان وردي إن جاء بعد ست سنوات وغنى للفيتوري (اصبح الصبح ولا السجن ولا السجان باق) وهو ينعي ذات النظام الذي كان من اوائل المرحبين به فقد كان صادقا في الحالتين فالمواقف السياسية لا تعرف الصمدية انما التكيف والمرونة يجب أن تكونا سيدة الموقف بالنسبة لفنان مبدع كوردي، فالشعب كان مرحبا بعبود ثم رحب برحيله تطلعا للاحسن فالملل احد مظاهر الحيوية.
(2 )
انتفاضة اكتوبر 1964 وان شئت قل ثورة اكتوبر انجاز تاريخي يحسب للشعب السوداني فهي ثورة من اجل حرية التنظيم وحرية التعبير والتداول السلمي للسلطة وهذه ابسط الحقوق الدستورية للمواطن ولا تترقى الحياة السياسية بدونها او على الاقل لم يصل الفكر السياسي البشري الى احسن منها حتى الآن فكان حريا بمثقفي السودان أن يهبوا من اجلها . ثورة اكتوبر لم تكن بسبب ضائقة اقتصادية؛ فالافندية الذين فجروها كانوا يومها في غاية النغنة والبهجة يختمون لياليهم ب(دور بينا البلد ده احرق الجازولين يا البابور جاز) و(شل شل كب لي جالون ) لكن البلاد كانت متخلفة كان القطاع التقليدي هو المسيطر على الاقتصاد اذ كان يرفد الخزينة القومية بما يفيض عن ميزانية الدولة ولكن تلك الفوائض لم تجد من يستثمرها في تحديث وتطوير البلاد فعندما تنازل عبود عن السلطة ترك في الخزينة ستين مليون جنيه استرليني فائضا .كانت مشكلة البلاد مشكلة افكار تنموية .كان نظام عبود نظاما يعمل بحبل المهلة وتصريف الاعمال حبة مشروع هنا ومصنع هناااك والسايقة واصلة.
(3 )
(ثوار اكتوبر صناع المجد) كما غنى لهم وردي لم يتجهوا نحو التنمية لا بل ولم يطرحوا ليبرالية حنبلية بل طرحوا وجهات نظر شمولية (لا زعامة للقدامى) و (التطهير واجب وطني) والاشتراكية العلمية هي الحل ثم الإسلام هو الحل لم يكن هناك برنامج وطني يشخص مشاكل البلاد الاثنية والجهوية لم تفرز لنا اكتوبر زعيما مفكرا له كارزيما يسوق الشعب نحو برنامج ينشل البلاد من حالتها تلك الى مصاف الامم النامية فاصبحت دفقة الوعى السياسي التي افرزتها الثورة كالثور الذي بعثر كل الاشياء وجاطت الامور فلم يجد الناس الليبرالية بطيئة التطور ولم يجدوا نظام عبود المتهمل الذي كان يمشي (القيد حرن) فاصبحوا يحنون اليه. هل نحكي قصة عبود في سوق الخضار التي حكاها البروفيسور مالك بدري عنه مباشرة ام انها اضحت محفوظة للجميع ؟ وتبكي يا بلدي الحبيب
نشر هذا المقال في نفس هذا المكان من هذه الصحيفة الغراء في 17 نوفمبر 2018 وتاني تبكي يا بلدي الحبيب.

عبد اللطيف البوسني – صحيفة السوداني


تعليق واحد

  1. الشعب السوداني سمي شعب كل حكومة .. ثار على عبود وندم عليه .. ضيعناك وضعنا معاك … ثار على نميري وندم عليه وقالوا نميري افضل رئيس مر على السودان … وثاروا على البشير وندموا عليه بعد ان جاءت قحط ومعها اطنان من القحط .. وفي سنة ونصف ذاق فيه الشعب السودان مر العذاب وخرجت النساء الحرائر ليقفن في صفوف الخبز والغاز الساعات الطوال كل يوم ..
    الا ليت البشير يعود يوما لاخبره بما فعل الحمير