ضياء الدين بلال

غير أخلاقي…كلاكيت!

مقدمة:

في بعض المرات نجد الضرورة تفرض علينا إعادة بعض ما كتبناه في السابق.
لا عن كسل أواستسهال لاعادة النشر ولكن لأن بعض الأحداث تأتي مكررة، مما يستوجب إعادة محاكمتها بذات المنطق وبنفس الحجج.
بغض النظر عن السقف السياسي الذي تمت تحته تلك الممارسات ،شموليا أم انتقاليا أو ديمقراطيا.
يأتي إضراب نواب الاختصاصيين هذه الأيام مع الاوضاع الصحية المتردية تحت وطأة جائحة الكورونا وضعف الامكانيات ورداءة الاداء السياسي والإداري.
سأعيد هنا ما كتبته عام ٢٠٠٨ و٢٠١٦ و٢٠١٨ ، عن عدم أخلاقية وإنسانية الامتناع عن معالجة المرضى، تحت أي دعاوي او مطالب نقابية أوسياسية.
من حق الاطباء تحقيق مطالبهم العادلة بكل الوسائل المشروعة، دون المساس بحق المرضى في العلاج!
-١-
لا ينكر إلا مكابر وجود أزمة حقيقة في إدارة أوضاع الشأن الطبي وأكثر من خطأ في التعامل مع إضراب الأطباء.
ولا يقلل منصف عادل من أحقية مطالب الأطباء المضربين، المتمثلة في الآتي:
تهيئة بيئة العمل وتوفير الخدمات الطبية الأساسية.
سن قانون حماية الطبيب والكوادر الطبية العاملة.
تحسين وضع التدريب وحقوق الأطباء .
ما حدث من قبل المرافقين في طوارئ أم درمان، هو حالة احتجاج متهور-لا على الأطباء- لكن على عجز مرافق صحية مهمة تتعامل مع الإنسان في أضعف حالاته ولا تملك أبسط الإجابات لأسهل الأسئلة.
-٢-
في مقابل ذلك الوضع وتلك الأزمات علينا طرح سؤال أخلاقي مهم:
هل يتوفر مبرر أخلاقي واحد لطبيب، بأن يمتنع عن علاج مريض في حاجة إلى ما هو متوفر من علاج ولو كان على الأقل حبة بندول أو محلول وريدي؟!

‏ صحة إنسان واحد أو وخزة ألم لطفل أو مسن الآن، لا تساوي كل المكاسب التي يمكن أن تتحقق غداً من هذا الإضراب .
بإمكان الأطباء التعبير بأكثر من طريقة عن قضاياهم دون التنازل عن دورهم وواجبهم الأخلاقي والإنساني.
‏ -٣-
لا توجد حالات مرضية باردة تستحق التعامل معها ببرود، المرض هو المرض والألم هو الألم، ما كان بارداً اليوم قد يصبح ساخناً غداً، يهدد حياة المريض، نتيجة لعدم تلقي العلاج!
كل مريض جاء إلى المستشفى وكانت التقديرات الطبية أن يلزم السرير الأبيض من حقه تلقي العلاج المتوفر. فالمرضى في السودان لا يأتون للمستشفيات إلا إذا اشتدت عليهم وطأة المرض أو استبد بهم الألم.
-٤-
علاج التجاوزات أو التقصير الخدمي من جانب الحكومة يجب ألا يقابل بتجاوز إنساني وأخلاقي آخر من قبل الأطباء، وهو الامتناع عن علاج مريض أو تخفيف ألمه.

أتمنى أن يسأل كل طبيب مضرب نفسه، إذا مرض لي والد أو ابن، وكان في حاجة للدخول إلى المستشفى، هل سيمتنع عن علاجه ومتابعة وضعه، بحجة الامتثال لقرار الإضراب أم سيذهب به لمستشفى خاص؟!!!
-٥-
قناعتي أن هذا الإضراب ليس بدوافع سياسية -وإن استُغل من البعض سياسياً- ولكن جرثومته تسربت إلى الأطباء من حاضنة النادي السياسي.
في ثقافة النادي السياسي المواطن في أمنه وصحته ومعاشه هو وسيلة لتحقيق المكاسب بغض النظر عن طبيعة تلك المكاسب.
الإسلاميون (الوطنيون والشعبيون) ليسوا استثناء من هذا الداء العضال، حينما اختلفوا مع بعضهم كان مواطن دارفور هو الضحية، وحينما كانوا في المعارضة لم يتورعوا من استخدام هذا السلاح!
-٦-
فلسفة العمل المسلح، قائمة على استفزاز الحكومة أمنياً، ليصدر منها رد فعل عسكري، تترتب عليه أزمة إنسانية، تفتح الباب لتدخل دولي، يأتي بتسوية سياسية متفاوض عليها!
ألم أقل لكم إن المواطن وسيلة وليس غاية.
-أخيراً-
نتفق مع الأطباء المضربين في تشخيص المرض ولكن نختلف معهم حول أخلاقية العلاج.

صحة المريض بالنسبة للأطباء يجب أن تكون مقدسة، غير قابلة للمساس، بغض النظر عن الدواعي والأسباب، فهي غاية في حد ذاتها، ولا يحق أخلاقياً أن تصبح وسيلة لتحقيق مكاسب مهما كانت أهميته

ضياءالدين بلال – صحيفة السوداني

تعليق واحد

  1. كلام حقيقة ونصيحة يجب العمل بها. ظل البعض يسحقون المواطن لتستجيب السلطة لمطالبهم.تبعات الناس الفوق يجب أن لاتحمل للمواطن المغلوب على أمره وكلام الأستاذ إنساني يتماهى مع إنسانية مهنة الطب..