سياسية

السياسة أم الاقتصاد… ما الذي يدفع قوى كبرى للتحرك نحو السودان؟

تطرح التحركات الإقليمية والدولية نحو السودان بعد ثورة ديسمبر/ كانون الأول، الكثير من التساؤلات حول الإمكانيات التي يمتلكها والتي تمثل عوامل جذب للحكومات سواء في الشرق أو في الغرب، وهل العامل الاقتصادي هو المحرك الوحيد أم هناك عوامل أخرى وراء تلك التحركات؟.

يقول الخبير الاقتصادي السوداني الدكتور محمد الناير، إن هناك تسابقا كبيرا جدا على مجالات الاستثمار في السودان بعد رفع اسمه من قائمة الإرهاب وإجازة قانون الحصانة السيادية من جانب الكونغرس الأمريكي، حيث فتحت الأبواب المغلقة منذ ما يقارب 3 عقود، وأصبح بإمكانه التعامل مع العالم بسهولة ويسر.

وأضاف لـ”سبوتنيك”، ورغبة دول العالم في العمل داخل السودان يرجع إلى عدة اعتبارات منها، أن السودان يمتلك ساحل طوله 750 كم على البحر الأحمر لم يتم استغلاله حتى الآن، حيث أن الكثير من سواحل البحار في العالم تم استنزافها بصورة كبيرة في المجالات السياحية وعمليات الصيد وغيرها من النشاطات البحرية.
وتابع الناير، هذا الساحل “البكر” به الكثير من المواقع السياحية النادرة مثل جزيرة سنجانب المسجلة دوليا والتي تعتبر من أفضل مواقع الغطس في العالم، وتلك السواحل الممتدة على البحر الأحمر لها أهداف كثيرة سواء اقتصادية أو استراتيجية وعسكرية، لذا فالكثير من الدول تتسابق من أجل الاستفادة من هذا الساحل الطويل.

الموارد الطبيعية

وأوضح الخبير الاقتصادي أن هناك مجالات أخرى قد يتم التسابق عليها بصورة كبيرة، هى مجالات التعدين وبشكل خاص الذهب والذي يعد الملاذ الآمن عند حدوث أي مشكلة في الاقتصاد العالمي، ومعلوم أن السودان ينتج كمية مقدرة من الذهب، والاستثمار في هذا المجال مفتوح ويحتاج إلى تكنولوجيا متطورة، وأيضا عملية الاستثمار في القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني والتصنيع الزراعي، وتعد من المجالات المهمة في المرحلة القادمة.

وأشار إلى أن السباق الآن يدور بين أمريكا وأوروبا وروسيا، كذلك تحتاج الصين الآن إلى أن تعيد مكانتها الاقتصادية في التعامل مع السودان، باعتبار أنها استثمرت في مجال البترول ونجحت بصورة كبيرة حينما كان السودان في عزلة من قبل الغرب، كما تسعى روسيا للاستثمار في السودان في مجالات عديدة مثل التعدين وغيرها، نظرا لموقع السودان الاستراتيجي بين العالم العربي والقارة الإفريقية.

وأكد الناير أن قدرات السودان الطبيعية الهائلة والمتفردة جعلت منه مكانا جاذبا لدول العالم، حيث يمتلك السودان ما يقارب 80 مليون هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة والمستغل منها فقط حوالي 30 بالمئة، علاوة على المصادر المتنوعة للمياه مثل مياه النيل والأنهار الأخرى، والمياه الجوفية بكميات كبيرة ومياه الأمطار التي تعد مهدرة ولم يتم استغلالها بصورة كبيرة، كما يمتلك 108 مليون رأس من الماشية والتي تجعل السودان ضمن كبريات الدول التي تمتلك ثروة حيوانية، بالإضافة إلى التنوع في المحاصيل بصورة كبيرة، علاوة على المحاصيل النادرة التي لا يوجد لها مثيل في العالم مثل “الصمغ العربي”، حينما فرضت أمريكا الحصار الاقتصادي على السودان في العام 1997 استثنت الصمغ العربي لدخوله في صناعات استراتيجية وهامة وعدم وجود بديل يضاهي الموجود في السودان.
توازن العلاقات

ولفت الناير إلى أنه في ظل هذا التوجه الدولي نحو السوداني، يجب أن يكون لدى الخرطوم توازن في علاقاتها الخارجية وأن لا يميل إلى محور دون الآخر، فلا يركز على الغرب ويتجاهل الشرق، خصوصا أن لديه من الإمكانيات والقدرات التي تجعله يستوعب الجميع، فقط يتطلب الأمر أن تكون تلك العلاقات مبنية على المصلحة المشتركة والعدالة.

من جانبه قال المحلل السياسي السوداني ضياء الدين البلال، إن السودان يمتلك الكثير من الإمكانيات الزاخرة يعلمها كل المتابعين للجغرافيا وإمكانيات الدول، في الوقت الذي لا توجد تلك الموارد في الكثير من الدول.
وأضاف لـ”سبوتنيك” أن السودان كان في عزلة اقتصادية نتيجة الحصار الذي كان مفروضا عليه على مدى العقود الماضية، الأمر الذي أثر بشكل كبير على عمليات الاستثمار نتيجة المخاطر العالية التي تفرضها مثل هذه الأمور.

وحول الأهمية الاستراتيجية والعسكرية التي جعلت بعض الدول تريد إقامة قواعد عسكرية بها قال البلال: إن الوضعية الجغرافية للسودان واطلالته على البحر الأحمر والذي يعد من النقاط الاستراتيجية المهمة للكثير من الدول سواء التي تطل على البحر أو القوى الكبرى مثل أمريكا وروسيا زادت من الاهتمام بهذا البلد من أجل إيجاد مكان لها عسكري وأمني في تلك المنطقة.

وحول قدرة السودان على استيعاب القوى المتضادة المتمثلة في الشرق والغرب قال المحلل السياسي، إن هذه المهمة عسيرة وصعبة وتحتاج إلى تماسك الموقف الداخلي في البلاد، لكن في ظل الانقسام الحالي والصراع ما بين المكونين العسكري والمدني واختلاف التوجهات الخاصة بشركاء الحكم، أعتقد أن هذه مهمة مستحيلة إلى حد كبير جدا، بأن يكون هناك توافق تام في العلاقات مع الشرق والغرب، والأكثر خطورة أن يؤدي هذا الاهتمام الدولي بالسودان إلى ولاءات داخل السلطة القائمة في البلاد بأن ينحاز هذا إلى طرف وهذا إلى الطرف الآخر، وتتحول النعمة إلى نقمة يتضرر منها الوطن.

وكانت البنوك السودانية قد بدأت استعدادها للعودة إلى السوق المصرفي العالمي بعد انقطاع دام أكثر من عقدين بعد قرار الإدارة الأمريكية رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
وفي 23 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، توصلت الخرطوم وواشنطن لاتفاق يقضي بإزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب مقابل دفع 335 مليون دولار كتعويضات لأسر ضحايا الهجوم على المدمرة كول في سواحل اليمن عام 2000، وأُسر ضحايا تفجير السفارتين الأمريكيتين في نيروبي ودار السلام في 1998.

وأعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لاحقا، إزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب”، التي وضعته عليها واشنطن في أغسطس/ آب 1993 بعد اتهامه بدعم وإيواء مجموعات إرهابية.

يذكر أن السودان قد خرج من قائمة الدول الراعية للإرهاب في منتصف الشهر الجاري، كما أقر الكونجرس مشروع قرار منح السودان حصانته السيادية ضد الملاحقات القضائية مستقبلا أمام المحاكم الأمريكية.

العربية نت