تحقيقات وتقارير

دعت لإسقاط الحكومة الحركة الإسلامية: من المخابئ للمواجهة


على نحو مباغت خرجت الحركة الإسلامية للعلن بعد اختفاء قسري دام أكثر من عام ونصف؛ عقب سقوط النظام السابق والتي كانت الحركة الإسلامية بمثابة الذراع السياسي للحزب الحاكم آنذاك، وعقب سقوط النظام اختارت الحركة الإسلامية طريق المهادنة بدلاً من المواجهة والسرية بدلاً عن العلنية ومع هدوء عاصفة الملاحقات بدأت الحركة التي يقودها د. علي كرتي تظهر للعلن والمضي في طريق المواجهة.

مرحلة السرية
حينما كانت تبث الإذاعة السودانية أزيز المارشات العسكرية في صبيحة الحادي عشر من إبريل 2019م كانت الحركة الإسلامية وعبر قياداتها الأمنية التاريخية تعمل على لملمة أوراق الرحيل أيذاناً بطي صفحة طويلة من الحكم أمتدت ثلاثين عاماً، كانت اولى الخطوات هي تأمين قيادات الصف الاول وأنقاذهم من كمين الآعتقالات حيث قام مسؤول العمل الخاص بالحركة الاسلامية ونائب أمينها العام وقتها علي كرتي بعملية إجلاء أمني لقيادات الصف الاول، حيث تمكن من إنقاذ كل من “علي عثمان محمد طه وعوض الجاز ونافع علي نافع وامين حسن عمر والزبير أحمد الحسن وآخرين” من كمين الاعتقال ووضعهم في شقة خاصة في الخرطوم شرق، قبل ان يتم إعتقالهم في العشرين من ابريل وسط أحاديث سرية تشير لتسليمهم لأنفسهم بأتفاق مسبق مع المجلس العسكري، وأعتقلت كل قيادات الحركة الاسلامية، ثم توالت لاحقاً أعتقالات لقيادات لم يتم تأمينها مثل أحمد ابراهيم الطاهر وسيد الخطيب.

تكليف كرتي
عقب اعتقال الامين العام للحركة الاسلامية الزبير أحمد الحسن ونائبه حسبو عبدالرحمن قام الزبير الحسن بكتابة تفويض لتكليف أمين حسن عمر أميناً عاماً للحركة الاسلامية وتحديداً في مايو من 2019م، ولم تمض ايام على تكليف امين حسن عمر بقيادة الحركة الاسلامية حتى تم اعتقاله وايداعه سجن كوبر، بعدها آلت قيادة الحركة الاسلامية لنائب الامين العام الثاني علي كرتي الذي كان يشغل منصب نائب الامين العام للشوؤن الخاصة والامنية، وبعدها عمل كرتي على ترتيب أوراق الحركة الاسلامية حيث قام بحل الامانة العامة القديمة وتكليف أمانة عامة جديدة من قيادات غير معروفة خاصة وان كرتي كان يحظى بتفويض كبير من قيادات الحركة الاسلامية بما في ذلك الموجودون بالمعتقل.

ظهور خافت
مع مرور الايام بدأت الحركة الاسلامية ترتب صفوفها وتظهر تدريجياً حيث أعلنت في بيان صحفي قبولها بالتغيير الذي حدث في السودان ودعت عضويتها للتماسك وتقييم التجربة والعودة لمحاضن المجتمع والتمسك بالفكرة، ثم توالى الظهور عبر اعلان رغبتها في عدم مصادمة الحكومة والتاكيد على انها معارضة مساندة وليست مصادمة ولا ترغب في إسقاط النظام أو الدخول في مواجهة مع الحكومة الجديدة.

حوادث وقضايا
وضح جلياً ان الحركة الاسلامية بعد سقوط النظام السابق بدأت في فك أرتباطها مع المؤتمر الوطني المحلول ويتمظهر ذلك في التعبير عن المواقف المطروحة في الساحة، حيث أدلت الحركة الإسلامية بتصريحات هي من صميم حزب المؤتمر الوطني الذراع السياسي له، مما يؤكد أن الحركة الإسلامية باتت تعمل بمعزل عن المؤتمر الوطني الذي تراجع خطابه السياسي عقب اعتقال رئيسه المكلف د. إبراهيم غندور وصار صوت الحركة الإسلامية هو الأقوى، حيث عبرت عن رفضها في أوقات سابقة للتطبيع مع إسرائيل كما عبرت عن رفضها للسياسات الاقتصادية التي تنفذها الحكومة الانتقالية قبل تعلن عن حملات أجتماعية لدعم الفقراء والمساكين.

ظهور العراب
ظل علي كرتي يتحرك بعيداً عن الأنظار بعد صدور قرار من النيابة العامة بالقبض عليه، وسط ذيوع أنباء عن مغادرته للسودان سراً نحو تركيا، لكن التسجيلات الصوتية التي كان يخرجها كان يذيلها بتوقيع (علي كرتي – الخرطوم)، ولم يظهر كرتي بصورة علنية إلا بعد إذاعته لتسجيل صوتي ينادي فيه عضويتهم بالتداعي ومساعدة الفقراء والمساكين وأطلق دعوته الشهيرة “كلنا عطاء” التي وجدت تجاوباً كبيراً من قبل عضوية الحركة الإسلامية التي بدأت تتحرك في المساحات الخالية، ثم بدأ كرتي يوالي الظهور بالمقاطع الصوتية عبر بيانات صحافية أبرزها بيانه الذي تحدث عن وجود انفلات أمني في الخرطوم بسبب الضوائق الاقتصادية مطالباً الحكومة بالتوقف عن تنفيذ روشتة البنك الدولي والمحافظة على الأمن، ثم أعلن عن عودة العافية للحركة الإسلامية وعودتها للمحاضن الاجتماعية وانها تجاوزت مرحلة الخطر.

أخطر ظهور
أمس الأول ظهر الامين العام المكلف علي كرتي في تسجيل صوتي يبدو الاخطر على الاطلاق منذ تكليفه، وهو البيان الذي طالب فيه عضوية الحركة بالخروج للشارع وإسقاط النظام القائم؛ مشيراً في حديثه الصحفي المبثوث عبر الاسافير إلى أن الخروج في الوقت الحالي بدأت ضرورة ملحة؛ وان التأخر في الخروج يقود إلى الندم، مرسلاً رسالة للقوات المسلحة وحركات الكفاح المسلح بضرورة مراعاة الاوضاع الحالية.
ووجد بيان كرتي الاخير تباينا كبيرا في ردود الافعال بعضهم رحب به وآخرون عارضوه واعتبروا كرتي غير مؤهل للحديث عن الحريات وحفظ دماء الأبرياء.

ماوراء المواجهة
في بيانه الأخير أعلن كرتي مواجهة الحكومة بصورة علنية ومصادمتها؛ ودعا إلى إسقاطها عبر التظاهرات السلمية.
ثمة من اعتبر البيان نوعا من التهور، وآخرون أعتبروه نوعا من العمل السياسي، وتذهب التحليلات إلى أن الحركة الإسلامية أستفادت من مرحلة السرية ما بعد سقوط النظام وقامت بتعبئة عضويتها باجراء بروفات عبر تظاهرات الولايات التي سبقتها من تظاهرات الزحف الأخضر، ثم وصلت لمرحلة جيدة من التعبئة لذا اعلنت عملية المواجهة وستقوم باختبار عضويتها بتظاهرات وسط الخرطوم بدلأ من الولايات في المرحلة القادمة.

هنالك من يقول ان ظهور كرتي وإعلانه المواجهة تم بالتنسيق مع التيارات الإسلامية مثل المؤتمر الشعبي وبعض الحلفاء الاستراتيجيين مثل سودان العدالة (تسع) الذي يقوده فرح عقار. بعد مرور سويعات من بيان كرتي عقد المؤتمر الشعبي مؤتمراً صحافياً بداره أعلن من خلاله ضرورة رحيل حمدوك ودمغه بالفشل حيث تطابقت رؤية الشعبي مع أطروحات بيان كرتي، ثم دعا تحالف (تسُع) عبر تصريحات لفرح عقار إلى أهمية رحيل حمدوك وحكومته.

التصريحات المتطابقه لقادة الكيانات أعلاه يعني ضمنياً وجود تنسيق مشترك لقيادة الشارع في المرحلة القادمة. وتشير مصادر (السوداني) إلى أن كرتي لم يصدر بيانه قبل أن يجد الضوء الأخضر من الأحزاب الإسلامية مثل المؤتمر الشعبي، وسط وجود أقوال متارجحة بان الشعبي كان مطلعاً على بيان كرتي قبل صدوره، في الوقت ذاته خلق بيان كرتي عدة أستفهامات أبرزها صمت المكون العسكري والحركات المسلحة على بيان المواجهة؛ خاصة وانه اشار اليهم صراحةً مما يعني ضمنياً ان الصمت رضا على خط المواجهة المرفوعة.

غضب من داخل الصندوق
بيان كرتي قبل ان يجد المعارضة من الحكومة وجد مناهضة شديدة من قيادات شبابية خاصة المحسوبة على حزب المؤتمر الشعبي، التي أعتبرت ان كرتي غير مؤهل للحديث عن الحريات وحرمة الدماء وأنه جزء من المنظومة التي فسدت وقتلت في سنوات حكم الانقاذ.

يقول المتحدث السابق بإسم مجموعة السائحون علي عثمان سليمان لـ (للسوداني) ان بيان كرتي الاخير يوضح خوف قيادات السلطة السابقة من الظهور العلني ويفضح عدم الابداع ومواكبة تطورات الاعلام الحديث، وقال ان الحركة الاسلامية كان يمكنها ان تظهر عبر الاعلام الخارجي عبر قياداتها المتواجدة بالخارج؛ ولكنها تراهن على كرتي من اجل ايصال رسائل محددة، وان الهدف الجوهري وهو ايصال رسالة معينة، وقال ان ظهور كرتي بصفته اميناً عاماً هو خيار ذكي وعقلاني لانه خطاب التيار الاسلامي العريض؛ والحركة الاسلامية تثير أشواق الكثيرين. بينما اعتبر علي عثمان أن الاسوأ في خطاب كرتي هو مغازلة المؤسسة العسكرية والرهان عليها. وأضاف أن كرتي يعلم قبل غيره ان المؤسسة العسكرية كانت كعب أخيل في تجربة الحركة الاسلامية في الحكم، بيد انه عاد وقال ان رهان كرتي على المؤسسة العسكرية له مسببات؛ أبرزها انها تعتبر أحد اضلاع التحالف الحاكم وهو المعول الذي تضرب به قوى الحرية والتغيير خصومها السياسيين.

القدره على المواجهة
هنالك من يرى ان الحركة الاسلامية قادرة على المواجهة في المرحلة الحالية لانها قامت بجراء عمليات احماء سياسي قبل خوض مباراة المواجهة الحاسمة، وتمثل الاحماء في تظاهراتها بالعاصمة والولايات بدأ من الزحف الاخضر وانتهاءَ بحراك الولايات الاخير، وقال مصدر مطلع لـ (السوداني) فضل حجب اسمه ان الحركة الاسلامية تملك من الادوات ما يجعلها قادرة على منازلة السلطة سلمياً وتحريك الشارع وقياداته وصولاً لمرحلة إسقاط النظام.
فيما قلل الحزب الشيوعي من دعوة الحركة الاسلامية لاسقاط الحكومة. وقال كمال كرار ان الحركة الاسلامية لن تعود للسلطة ولو بعد مائة عام.

الخرطوم: عبدالرؤوف طه
صحيفة السوداني