تحقيقات وتقارير

الخروج من دائرة التوقعات إلى التسريبات .. تمديد الفترة الانتقالية يثر جدلاً وسط القوى السياسية من جديد!

من جديد تعود مسألة تمديد الفترة الانتقالية إلى السطح، وذلك في سياق الحديث عن تحقيق السلام الشامل واستكمال أهداف الفترة الانتقالية، وقد تصاعدت مواقف لقوى سياسية أساسية في المشهد، ترفض اتجاه البعض لتمديد الفترة الانتقالية، واتجاه آخر ينظر لقضية الفترة الانتقالية بأنها مرتبطة بأهداف، يجب أن تتحقق خلالها، وإذا لم تتحقق أهداف الفترة الانتقالية في المدى المحدد، لا مشكلة في تمديدها حتى تحقيق أهداف الفترة الانتقالية، فضلاً عن ربط البعض للقضية باستكمال السلام، ويتوقع مراقبون أن ينتج عن توقيع السلام المحتمل مع الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال بقيادة عبد العزيز الحلو إلى تمديد الفترة الانتقالية، فضلاً عن الرؤية غير الواضحة لقائد حركة وجيش تحرير السودان عبد الواحد محمد نور بشأن مدة الفترة الانتقالية ومتطلبات برنامجه الذي يستند على الحوار السوداني-السوداني في الداخل، والذي ربما ينتج عنه تمديد أو تقصير لأجل الفترة الانتقالية فيما لو قدر له أن يكون واقعاً في داخل السودان.

رفض بشدة لتمديد الفترة الانتقالية!

في هذا الصدد، كشف حزب الأمة القومي رسمياً عن تسريبات حول تمديد جديد للفترة الانتقالية، وجدد في الوقت ذاته رفضه لهذا الاتجاه، وطالب بالالتزام بالفترة الزمنية التي نصت عليها الوثيقة الدستورية. وانتقد رئيس الحزب فضل الله برمة خلال مؤتمر صحفي عقده الحزب بمقره عدم وجود رؤية موحدة من قبل القوى السياسية والمدنية تجاه القضايا الكبرى، ونوه الى أن أهم تحديات المرحلة الانتقالية الخاصة بالسلام خروج حركتين مهمتين عن الاتفاق هما حركة جيش تحرير السودان والحركة الشعبية شمال جناح الحلو، وانتقد ما وصفه بتعدد الاجتهادات الفردية من أجل ضم الحركتين لإلحاقها بعملية السلام، وحذر من ذلك لجهة أنه قد يؤدي إلى إجهاض الثورة أو تمديد المرحلة الانتقالية، وتوقع برمة ناصر أن تشهد الفترة المقبلة تغيير آخر، بانضمام الحلو وعبد الواحد للسلام وكشف عن تسريبات عن تمديد الفترة الانتقالية واعتبر أن تحديات المرحلة الانتقالية تتمثل في غياب الرؤية الجامعة والبرامج المتفق عليها بجانب الخلل الهيكلي في منظومة الحرية والتغيير وفقدانها للوحدة والإرادة المشتركة فضلاً عن الصراعات التي أدخلت البلاد في دوامة عدم الاستقرار السياسي والمجتمعي، وأكد برمة أن اللامبالاة والاتكالية والاعتماد على الخارج عقدت أزمات البلاد السياسية والاقتصادية والأمنية وذكر أن الوضع الاقتصادي المعقد الذي ورثته البلاد من النظام السابق تسبب في صعوبات في توفير الخبز، الوقود، الدواء.

ودعا برمة خلال حديثه إلى تصحيح المسار، بهدف إعادة بناء السودان على أسس جديدة، والعمل على بناء الثقة بين مختلف مكونات قوى التغيير وشدد على ضرورة التخلي عن التلاوم وتهيئة المناخ السياسي والأمني لضمان الانتقال السلس للديمقراطية الرابعة، وتابع: الانتقال المطلوب يجب ان يفضي إلى إعادة بناء الدولة الجديدة على أسس ديمقراطية المؤسسات، داعيا إلى مراجعة جميع التعيينات التي تمت في الوظائف العليا بمؤسسات الدولة بعد 11 أبريل 2019.

تمديد الفترة الانتقالية خرج من دائرة التوقعات إلى تسريبات رسمية، وهي ليست بالأمر الخافي على الجميع، فقد توقع رئيس الوزراء دكتور عبد الله حمدوك في حواره مع النخبة المصرية الأسبوع الماضي في مركز الاهرام للدراسات الاستراتيجية، توقع حمدوك، تمديد الفترة الانتقالية مرة أخرى، عقب التوصل لاتفاق سلام مع حركتي الشعبية شمال بقيادة عبد العزيز الحلو وتحرير السودان بقيادة عبد الواحد نور.

وفي رده عن سؤال تمديد الفترة الانتقالية عقب التوقيع على اتفاق السلام مع الحلو وعبد الواحد، أقر حمدوك بأن طول عمر الفترة الانتقالية قد يعرض الانتقال نفسه لمشكلات لكنه عاد قائلاً:” إذا استطعنا خلال 39 شهراً من عمر الفترة الانتقالية تحقيق السلام سيكون ذلك انجازاً كبيراً، لأن السلام نفسه يساعد على تحصين الانتقال”.

وفي تصريح آخر لحزب الأمة، اتهم القيادي في الحزب إبراهيم الأمين جهات بأنها تسعي لتمديد الانتقالية لتعطيل التحول الديمقراطي، وأعلن في تصريح صحفي رفض حزب الأمة لتكرار تجربة تمديد الفترة الانتقالية، ووجه اتهامات لمجموعات لم يسمها بمحاولة تمديد الفترة الانتقالية بغرض تحقيق مكاسب تعطل مسار التحول الديمقراطي.

وأكد القيادي بالحزب إبراهيم الأمين على ضرورة ألا يتضمن الاتفاق المرجو توقيعه لاستكمال ملف السلام مع الحلو ونور بنداً يقضي بفتح الوثيقة الدستورية وتمديد الفترة الانتقالية، وأضاف بأن أي محاولة لتمديدها تعني استغلالاً للسلام والظروف التي تمر بها البلاد لصالح مجموعات، وزاد قائلاً بأن بعض القوي السياسية تعتقد بأن موقفها في الفترة الانتقالية أفضل من أي انتخابات قادمة.
وحمّل إبراهيم الأمين الحرية والتغيير تبعات الإخفاقات التي حدثت خلال الفترة الانتقالية، داعياً لمراجعات نقدية وتجاوز الأجندة الحزبية والمحاصصات والتوافق على برنامج يحقق تطلعات الجماهير.

وفي ذات الاتجاه الرافض لتمديد الفترة الانتقالية، يعتبر حزب المؤتمر الشعبي تمديد الفترة الانتقالية تغبيشاً لوعي الجماهير، وقد أكد الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي عبد الوهاب أحمد سعد لـ “الجريدة” أن الاتجاه لتمديد الفترة الانتقالية هدفه استمرار مكونات الحكومة الانتقالية في السلطة، وجدد تمسكهم بضرورة التزام الحكومة بموعد نهاية الفترة الانتقالية.

وانتقد سعد في تصريح لـ “الجريدة” اتجاه الحكومة لتمديد الفترة الانتقالية، وقال: لا يمكن بعد توقيعها مع كل حركة مسلحة تشرع في تمديد الفترة الانتقالية مجدداً، واصفاً هذه الحجج بالواهية بهدف البقاء في السلطة، وسخر سعد من ذلك بالقول “هذا تحايل وتغبيش لوعي الجماهير وحمدوك فشل في ادارة الفترة الانتقالية “، ودعا سعد الى الاسراع في تنظيم الانتخابات مع حفظ كل حقوق الحركات المسلحة في الأجهزة التنفيذية والمجلس التشريعي وأردف: لا يمكن استمرار ادارة البلاد في حكم انتقالي وهؤلاء ليس لهم ثقل جماهيري.

تحقيق مهام الفترة الانتقالية أم تحديد فترتها؟

يقول حزب البعث السوداني بأنهم منذ البداية يرون بأن الفترة الانتقالية يجب أن تربط بمهام محددة، تسمى بمهام الفترة الانتقالية، ويتأسف القيادي في البعث السوداني محمد وداعة أسفاً شديداً بسبب أن مهام الفترة الانتقالية ما تزال تراوح مكانها، وغير واضحة ولا توجد جداول زمنية لإنجازها، ويضرب وداعة مثالاً على ذلك في حديثه لـ”الجريدة” بموضوع السلام نفسه، ويقول: ” وضع للسلام ثلاثة شهور ومن ثم ستة أشهر، والأمر مضى لأكثر من ذلك، وفي رأيي يجب أن يرتبط موضوع التمديد ببرامج ومهام وبإنجاز، ولا يمكن أن تفتح الفترة الانتقالية بطريقة غير محددة، باعتبار أن هناك مهام لم تنجز، هذه المسألة تحتاج قرار سياسي، لا تتخذه جهة بعينها، لكن هذه تلميحات من أطراف تفضل أن تمدد الفترة الانتقالية، وأعتقد أن الترهل وعدم التحديد الواضح لمهام وأهداف الفترة الانتقالية، سيدخل الناس في متاهة جديدة تتعلق بأجل الفترة الانتقالية”.

وبالنسبة لمحمد وداعة، فإن مهام الفترة الانتقالية حتى الآن لم ينجز منها شيء، ويضيف: ” لم تعدل القوانين، ولم تكون المفوضيات، ولم يتم اصلاح المنظومة العدلية ولا الخدمة المدنية، ولم يفكروا فيها حتى، ولم يتحقق السلام الشامل العادل، ولم يتحسن الوضع الاقتصادي، وأشياء أخرى مثل العلاقات الخارجية، والتي ليس لها ملامح ومعاير مرتبطة بمصالح السودان”.

يضيف وداعة بأنهم يرون بأن الفترة يجب أن تربط بالمهام والأهداف وبالإنجاز، فالحكومة هذه مهمتها ليس حكم السودان، بل أن تنجز مهام الفترة الانتقالية، والآن بعد مضي عامين، لا يوجد مجلس تشريعي ولا محكمة دستورية ويتم التعامل مع الوثيقة الدستورية بطريقة خاطئة وغير دستورية، ويؤكد بأن المطلوب من الناس إدارة حوار حول الفترة الانتقالية وأهدافها ومواقيتها وما المطلوب أن ينجز فيها، وأن واحدة من مهام الفترة الانتقالية أن يتم تجاوز مرحلة الفشل، الذي يتعلق بضعف الحرية والتغيير وعدم توحدها وبانقسام حاد في الساحة السياسية، وأن الحاضنة السياسية للحكومة ليس لها أي دور، وهذا خلل كما يقول وداعة، ويواصل وداعة بأنه حتى تكون الفترة منضبطة، يجب اصلاح الحرية والتغيير وتطوير ميثاقها، حتى يكون هناك جهة يتم الرجوع لها، وأضاف متسائلاً: ” هسي يرجعوا لي منو؟ افترض عايزين يحاسبوا حمدوك، البحاسبو منو؟ وكيف؟ هذا الكلام مهم، ويفترض أن الناس الآن يريدون محاسبة برهان، يحاسبوه وين ويسألوه كيف؟ وكذلك حميدتي، يحاسبوه كيف وأين وبأي طريقة؟ وأضاف وداعة بأن هذا الوضع مائع وبه سيولة خطيرة جداً، تهدد الفترة الانتقالية نفسها، وأكد بأنه لا توجد حكومة في الدنيا ليس هناك جهة تحاسبها، سواء كان برلمان أو مجلس نواب أو غيره، وختم وداعة قائلاً: “الحكومة الوحيدة في العالم التي ليس هناك جهة تحاسبها هي حكومتنا هذه”.

ونأى حزب المؤتمر السوداني بنفسه بعيداً عن الموقفين، الموقف المؤيد والرافض لتمديد الفترة الانتقالية، وقال الأمين العام لحزب المؤتمر السوداني محمد يوسف بأنهم ملتزمون حتى الآن بالأجل المنصوص عليه في الوثيقة الدستورية، وأن مسألة تمديد الفترة الانتقالية حتى الآن لم تطرح على منضدة الحزب ولا على مستوى الحرية والتغيير، ويؤكد يوسف بأن هذه المسألة ستكون موضع نقاش إذا طرحت بشكل رسمي من قبل الحرية والتغيير كحاضنة سياسية للحكومة.

الحكومة تعتمد على (الوهم) في سياساتها!

ويصف عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، صالح محمود سياسات الحكومة الانتقالية بأنها سياسات تتسم دائماً بعدم الشفافية والغموض، ويقول لـ “الجريدة” أن الحكومة غير منتخبة، بل مكلفة بتنفيذ مطالب الجماهير المرتبطة بمهام الحكومة في الفترة الانتقالية، والتي هي محددة بموجب المواثيق الموقعة عليها، وهي أن تبذل مجهود كبير في تذليل الواقع البائس الذي عاشته الجماهير في أواخر عهد نظام البشير، والمرتبطة بالدرجة الأولى بميزانية ٢٠٢٨/٢٠١٩م وهذه من الأولويات، بالإضافة لرفض النظام الشمولي الدكتاتوري المستبد، ويرى صالح أن الأولوية الأخرى الانتقال من الشمولية للديموقراطية والالتزام بالحقوق الواردة في المواثيق الدولية، وأن مهمة هذه الحكومة حسب مواثيق الثورة، تنفيذ المواثيق التي وقعت عليها الحكومة السودانية، ويقول محمود بأنه للأسف أن الحكومة انحرفت تماماً عن هذه المهام، وشرعت في التخطيط لقضايا ليست من مهامها حالياً، ويشير محمود إلى أن الحكومة قفزت على كل المراحل وتجاهلت المرحلة العاجلة الضرورية في مخاطبة قضايا الناس المتعلقة بالأكل والشرب والتعليم، وبالتالي وفقاً لتوجهات الحكومة، ليس من المستغرب أن تقفز لتوقيع اتفاقيات دفاع مشترك مع مصر واتفاق آخر مع البنك الدولي، اتفاقيات لا تعود بالنفع على الشعب السوداني، ومن بينها القواعد العسكرية في البحر الأحمر، وكذلك العلاقات مع المحور الجديد، السعودية والأمارات وإسرائيل، ويكشف محمود عن أن اتجاهات الحكومة هي الاستعانة ببعثة دولية للتدخل في كل شؤون البلاد من الازمات الاقتصادية للقوانين وكل شيء، هذه الحكومة لديها نوايا شريرة، بأنها عودت الناس على القبول بالأمر الواقع، مثل المؤتمر الاقتصادي الذي أهدرت فيه أموال ضخمة، بينما كانت الحكومة توقع على اتفاقيات مع مؤسسات تمويل وأصبحت توصيات وقرارات المؤتمر حبر على ورق، وأهدر حمدوك المال العام وحسم خياراته الاقتصادية وحاول أن يغش ويضلل الشعب السوداني بأن هناك مؤتمر اقتصادي، ويخلص صالح محمود إلى أن الحكومة بهذا النهج، ليس من المستغرب أن تفاجأهم باتفاقيات سرية لا يعلمها الشعب السوداني، بأن تتم تدابير لتمديد الفترة الانتقالية لمساعدة الجماعات الخارجية، لأن الحكومة وفقاً لمحمود لا تثق في الشعب السوداني، وأن مصالح الجماعات التي دخلت في الحكومة الجديدة تقتضي تمديد الفترة الانتقالية لتمكينهم من الحفاظ على مصالحهم التي تحصلوا عليها في غفلة من الزمان، ويصف سياسات التحالفات الإقليمية والدولية التي تعتقد الحكومة بأنها ستحافظ عليها عبرها وتراهن عليها بأنها “وهم”، وأن الشعب السوداني على تغيير المعادلة.

الخرطوم: حافظ كبير
صحيفة الجريدة