ضياء الدين بلال

مع (رسلان) في حلايب


لظروفٍ خاصة تأخَّر ردي على الصديق العزيز دكتور هاني رسلان، رئيس مركز الدراسات التاريخية والاجتماعية بمؤسسة الأهرام.
في تعقيبه على عمود نشر في هذه المساحة كان تحت عنوان (شوكة حلايب).
قلت في ذلك العمود موضع التعليق والتعقيب:
الحقيقةُ التي يجب أن تعيَها مصر الرسمية والشعبية:
لن تتنزّل الروحُ الإيجابية للعلاقة الرسمية إلى القواعد الشعبية، ما لم تُحل قضية حلايب.
موضوع حلايب سيظل شوكةً سامّة في خاصرة العلاقة بين البلدين تُضْعف مناعتها كل حين.
مهما تقدّمت العلاقة الرسمية إلى الأمام، أعادتها تلك الشوكةُ إلى الوراء.
وهي كثيراً ما تُستغل من قِبل الأطراف الحريصة على إفساد العلاقة بين البلدين.
الأفضل إيجاد معالجة (ذكية) لهذه الأزمة الكامنة.
أما توقّع تحسُّن العلاقات على المستوى الشعبي، مع بقاء الشوكة في الخاصرة، فهو حرثٌ في البحر، وزراعةٌ على رمال متحركة، وبناءٌ في مجرى السيل..!
-٢-
تمركَز عتابُ دكتور هاني، على نقل وجهة نظري في تعقيدات العلاقات السودانية المصرية للفضاء العام، دون الإشارة لوجهة النظر التي أُدلى بها في القروب الذي دار فيه النقاش.
احترم هذا العتاب ولكن رأيي: أنّ ما قاله هاني نُشر من قبله في مرات عديدة، وربما لا يكون هنالك ما يستدعي تكراره في هذه المساحة الضيقة.
جزءٌ مركزيُّ في الأزمة الكامنة، أنّ النخب المصرية لا تدرك بالقدر الكافي ما تمثُّله قضية حلايب، من حساسيةٍ في تعاطي السودانيين مع ملف العلاقة الثنائية.
-٣-
لا يغيبُ على دكتور هاني وآخرين أنّ السيطرة المصرية على حلايب، جاءت كردِّ فعلٍ على محاولة اغتيال الرئيس السابق حسني مبارك.
احتلالُ جزءٍ عزيزٍ من دولة بقوة السلاح وفرض سلطة الأمر الواقع، يتجاوزُ الرد على نظام حكم إلى التعدِّي على حقوق دولة وكرامة شعب.
يمكن تفهُّم وقبولُ أي رد فعل آخر – غير الاحتلال – في سياقِ الصراع بين نظامي حكم يقفان على طرفي نقيض.
استمرارُ مصر في السيطرةِ على حلايب ورفضُ مناقشتها كأزمةٍ تُثقل كاهل العلاقة، والتقليلُ من أهميتها كقضية مركزية سيُعقِّد الأوضاع أكثر.
-٤-
صحيحٌ هنالك رواسبُ سالبة في سجل العلاقات وعوامل أخرى تاريخية ونفسية تمثِّل عواملَ تعقيدٍ وتأزيم.
غالبُ تلك العوامل ذاتُ ارتباطٍ ماضوي، بسجل العلاقة التي كانت متأرجحةً بين نظامي الحكم السابقين.
الطبيعيُّ أن تكون تلك العوامل قد زالت بانتهاء تلك الحقبة الماضية وطويت صفحتها، ولم يبقَ في الواقع سوى قضية حلايب.
وبتوفرِّ الرغبة الرسمية بين الدولتين لفتح صفحة جديدة وتطوير العلاقات، كان الأوْلى أن تكون البدايةُ بإزالة العقبة الكؤود وهي قضية حلايب.
-٥-
من الممكنِ والمُتاحِ إيجادُ خياراتٍ توافقية في سياق توفرِ أجواء إيجابية.
من هذه الخيارات: إدخالُ طرفٍ ثالث مثل الجهات التحكيمية الدولية، لتفصل في النزاع، على أن يكون الطرفان على استعداد لقبول ما يُفضي إليه التحكيم.
هذا الخيار سيرفعُ حرجاً على النظامين أمام شعبيهما، مما يخفِّف الضغط على متَّخذ القرار.
خاصةً وأن السودان لا يمانعُ في قبول خيارِ التحكيم؛ ولمصر تجاربُ سابقةٌ في التحكيم الدولي مما يسهِّل تمريرَ الخيار إلى القواعد الشعبية.
أو أن يكون الخيارُ السياسي، ما طُرح في وقتٍ سابق، وهو التعاملُ مع حلايب كنقطةِ ارتكازٍ للتكامل بين الدولتين، عبر إدارةٍ ثنائية تقدمُ نموذجاً إيجابياًً لوحدة المصالح والمصير.
وربما هنالك خياراتٌ أخرى غير ما ذُكر، تسمحُ بتفكيكِ الأزمة وتسويةِ النزاع ونزعِ الشوكة السامة من جسد العلاقة.
– أخيراً –
أما التجاهُلُ والتغافلُ والتقليلُ من قيمة القضية، ورفضُ مناقشتها كأزمة، سيحتفظُ بالعلاقة في دائرة التوتر والتأزيم الشعبي، مهما تطورت العلاقاتٌ الرسميّة مدعومةً بالابتسامات وتبادلِ المُجاملات!

ضياء الدين بلال -صحيفة السوداني


‫2 تعليقات

  1. لنكن صريحين واقعيين ماذا فعلنا نحن السودانيين بحلايب و شلاتين و الفشقة ؟ناس كانوا محرومين من كل الخدمات و مهمشين و الآن مصر وفرت لهم كل ما يحتاجونه من خدمات مياه و كهرباء و مساكن و تعليم و صحة ..خدمات ما كانوا يحلموا بها ..الفشقة كان الحبشة يزرعونها و يستفيدون منها و الآن بعد التحرير المزعوم أصبحت الأرض بور و لا يوجد من يفلحها. .للأسف نحن شعب بتاعين تنظير ساكت و فاشلين في الإدارة و لا نجيد التخطيط و لا التنفيذ. .دعوا مصر و اثيوبيا تستفيد من هذه المناطق طالما نحن عاجزين عن ذلك و بطلوا فلسفة و جدل فاضي يا صحفيين