الصادق المهدي يتحدث عن الألعاب التي كانوا يلعبونها في ذلك الزمان
ألعاب الطفولة
ويتحدث الصادق عن الألعاب التي كانوا يلعبونها في ذلك الزمان فيقول:
(اللعب الذي نلعبه ليس فيه أنواع اللعب الحديثة التي تعرف الآن من لُعَب وغيره. وإنما كنا نلعب ألعاباً محلية، كلها محلية: حرامية وعساكر، ويسمى أيضا “كركعت”، ” وشليل وينه”. و”شليل وينه” هذه فيها فكرة أن فريقين يبحثون عن عظم في الليل- شليل هذا هو العظم- وعادة يكون بعد صلاة العشاء وبعد أن يكون هناك أشخاص يبحثون عن هذا العظم ومن يجد هذا العظم عليه أن يعود به إلى “الميس”، إلى مكان معين، والآخرون يريدون تجريدهم منه. المهم كل اللعب التي نلعبها: حرامية وعساكر وشليل، وشدت .. شدت هذه لعبة فيها كل طفل منا يقف على رجل واحدة ويجري برجل واحدة وينقسم إلى فريقين: العروس وفريق ضدها، والعروس هذه ولد ولكن يسمى العروس. هذا الطفل يريد أن يصل إلى غاية معينة، فريقه يحميه ليصل والفريق الآخر يمنعه أن يصل وهذا الصراع أو هذا التنافس يقوم في الموضوع.
عندنا عدد كبير جداً من الألعاب الممتعة جداً، فنشأنا في بيئة حقيقة فولكلورية، سودانية خالصة سواء في الخلوة والتي نتعلم فيها، والخلوة التي تكتفي ذاتياً تماماً، والألعاب التي نلعبها في ظروفنا الأخرى.
هذه المرحلة الأولى من الطفولة وهي مرحلة عامة لأغلبية أطفال السودان خصوصاً في الحضر، هذه المرحلة تلتها مرحلة ثانية وهي دخولنا إلى التعليم الحديث.)
حينما كبر الصادق قليلاً صار يحجم عن الخوض في كل أنواع الألعاب، وإن كانت حياة اللعب لا تزال تميز أوقات فراغهم.
وقد روى اللواء أبو قرون عبد الله أبو قرون، وقد كان يسكن جوار آل المهدي بالعباسية في حوش جده لأمه الشيخ محمد البدوي، أنهم كانوا يلعبون مختلف الألعاب كشليل، وشدت، وسجك، وكان الصادق حينها في الثالثة عشرة (1) وقال إنه كان يشارك في العدو “السباق” وكان سبّاقاً، ولكنه كان يحجم عن المشاركة في لعبة “سجك” لأنه يكره أن يمتطي أحداً أو يمتطيه أحد، كما كان يحجم عن المشاركة في لعبة “ختمية وأنصار”، وهما الكيانان الدينيان الكبريان في السودان والتنافس بينهما معروف وكان أيامها على أشده فقد استحدثت حكومة الاحتلال (إسلاماً رسمياً) له سمات محافظة، وشجعت طائفة الختمية، وسعت لمحو المهدية وكيان الأنصار (2). وقد بدا التنافس مسئماً للوطن، بل حتى حينما التقى السيدان، زعيما الختمية والأنصار، في مرحلة ما وجدت السأم يزيد، وترى الشاعر محمد المهدي المجذوب يذمه في قصيدة (ختمية وأنصار)(3):
شراب ولم نسكر وزدنا إفاقة على ضجر من أمرنا وذهول
الشاهد، قال أبو قرون إن (أولاد السيادة)، كما كانوا يسمون أبناء آل المهدي، كانوا يكونون في فريق الأنصار، بينما كانوا هم في فريق الختمية مع إنهم لم يكونوا ختمية، وذكر أن الصادق كان ينأى بنفسه عن تلك اللعبة.
ووصف زي الصادق حينها واهتمامه بنظافته، كما روى عن حادثة وقعت له مع عباس عبد الرحمن بابكر الشفيع وكان يبيع “العنكوليب” و”الكدندار” لزملائه من الصبية، وبينما همّ الصادق بشراء عنكوليبة وطئت قدمه على “كدندارة” فزهقت روحها حالاً، (فثار عباس و”قبقب” الصادق قائلا: مش كان تكون ود المهدي كان بقيت سيدي الإمام المهدي “ظاتو” إلا تجيبها لي! ورغم كرفسة عباس لقميص الصادق لم يكف عن الابتسام والضحك، وأخرج من جيبه “شلن” إنجليزي وأعطاه لعباس الذي تركه قائلا: ووو.. الله إنت ود السيادة صحي!) وقال أبو قرون إن المبلغ الذي أعطاه لعباس كان يساوي ريعه لأسبوع كامل.
ثم علق على تلك الحادثات قائلا: (كل ذلك كان يرشح الصبي الصادق ليكون زعيماً وقائداً أولاً لحرصه على زيه ونظافته، ثانياً عدم ميله إلى أن يركب ظهر أحد أو يركب ظهره أحد، ثالثاً، وقوفه على الحياد في الشجار الذي جرى بين الختمية والأنصار الصغار، رابعاً، طول باله وحلمه وكرمه مع عباس الفقير، ولعل الإمام الصادق لا يذكر تلك الفترة، وقد صدقت توقعاتنا، فكان الصادق طوال سني حكمه الرجل العفيف النظيف لبساً ويداً ولساناً وكذلك حبه للسلم والمهادنة والكرم وطول البال، وصحيح إن الأصله نخلة ما بيخلا)(4).
وقد عرف عن الصادق منذ طفولته اهتمامه بنظافة جسده وملبسه وبالطيب فله أنف حساس جداً، وهذه من خلال النبي صلى الله عليه وسلم إذ كان يحب الطيب وينفر من الروائح الكريهة، ولذا تجد الصادق كثير السواك والاستحمام، بل بلغ به الأمر أنه حينما أهدي له حمار في طفولته، وكان بالنسبة إليه هدية قيمة جداً، حممه بالماء والصابون ولكن رائحة الحمار بدلاً عن أن تزكو بالاستحمام ساءت، فاستعان بقارورة عطر كبيرة كانت أمي رحمة رحمها الله تضعها في غرفتها، وكبّ العطر كله على جسد الحمار، وكان غضب أمي رحمة من ذلك مضرياً فالعطر كان هدية الإمام الصديق لها من سفرة لأوربا، وكان صب القارورة كلها على الحمار مما لم يمكنها احتماله.
على العموم، لقد شهدنا غضبات أمي رحمة لاحقاً، كانت إذا أرادت أن توبخ أحدنا إذا أخطأ، تقول له تعال، مد يدك، ثم ترفع كفها عالياً وقد أشهرت السبابة والوسطى وقبضت بقية الأصابع وهي تزم شفتيها كأنها سوف تصب سوط عذاب، وحينما تهوي بها على ذراع الواحد والواحدة منا إذا بها مجرد مس لطيف.. كان بعضنا يضحك ملء شدقيه من (عقوبات) أمي رحمة، وهناك من يذهب إليها مطالباً بتلك العقوبة (اللذيذة): أمي رحمة أنا داير دقة! ولا أدري هل كانت هذه السعادة العقابية من نصيب (وِلْد الوِلْد) فقط، أم كانت عقوبات السيد الصادق وأخوانه من نفس الشاكلة؟
(من كتابي: الإمام الصادق المهدي سيرة ومسيرة، الجزء الأول، بينج ماريال)
هوامش
1 هذا يعني حوالى سنة 1949م
2 حقيقة أن الاحتلال شجع الختمية ظهرت في قدوم السيد علي الميرغني في ركاب كتشنر الغازي، والمكانة التي ظلت حكومة المحتل تعطيها إياه، أما محاولاتها نقض المهدية فقد فصلها عبد الرحمن الغالي المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدرويش، دار المصورات للنشر، 2016، حيث أشار لورقة كتبها الأكاديمي نوح سالومون بعنوان (السياسة الدينية البريطانية) أظهرت (أن السياسة الدينية انبنت على قمع المهدية ونقضها ومحو آثارها وتدمير البيئات التي يمكن أن تعيدها أو تعيد إنتاجها.)
3 في ديوانه منابر، دار الجيل 1981م، ص 50
4 أبو قرون عبد الله ابو قرون سمات الزعامة تظهر في الصبا: الإمام الصادق المهدي نموذجا صحيفة صوت الأمة 2010م
—-
رباح الصادق
في زيارة سياسية للأبيض عام 69 تلاسن الوالد رحمة الله عليه مع
بعض من الوفد المصاحب للصادق ووبخهم علي تصرفاتهم في مقر
الوفد حينما ظهر الصادق قال له ( امسك الفوضويين الجبتهم ديل )
وكان آخر زيارة للأبيض وبعدها كان إنقلاب النميري . رحمهك الله
فعلاً كان بالو طويل . وعاد الي الابيض عام 85 وكان معه الوالد في
كل جولاته السياسية شمال كردفان .