عبد اللطيف البوني

في حب يا خوانا أكتر من كده ؟


(1 )
أخونا وابن عمنا عوض الله إبراهيم دكين من ظرفاء قرية ود لميد بشمال الجزيرة توفي والده رحمة الله عليه وهو في المرحلة الاولية فأخرج من المدرسة وامسك الحواشة فأكمل فيها طفولته وصباه وشبابه وكهولته وهو الآن يناهز السبعين فقال انه يسأل الله خمسين عاما اخرى لماذا يا عوض الله ؟ فصَّلها قائلا ثلاثين سنة خدمة في الحواشة بالحمار دا وعشرة الذهاب للحواشة بالاتوس (سيارة صغيرة يملكها ولده) والعشرة الاخيرة اكون راقد في العنقريب واتابع اخبار الحواشة بالموبايل (شفتوا كيف هذه الحواشة لم يكفها انها اخذت منه ستين عاما ويريد أن يعطيها خمسين اضافية) لقد جرت في عروقه فأدمنها . عندما حكى شيخ \عبد الرحيم مختار طرفة عوض الله للشيخ \عبد الرحمن موسى وقال له عوض الله دا جاملكم احمدوا الله انه ما قال ليكم ادفونني في الحواشة.
(2 )
وبمناسبة الدفن في الحواشة يحكى عن عمنا بابكر ود عمر رحمة الله وكان محبا لحواشته أن احدهم داعبه بالقول “انا لومت بقول ليهم ادفنوني في البرقان الجمب حواشة بابكر عشان اقوم بالليل ازرعها” فرد عليه بابكر بغضب “على الطلاق بالعكاز ما تدفن جمبها” . اما والدي عليه رحمة الله فقد كان في اخر سنواته وهو جالس لا يحلو له كلام او خبر الا عن الحواشة وكان يحفظ كنتورها بالبوصة فيقول لك في سرابات في الانقاية الثالثة في نمرة حداشر من تالا الترعة في حتة عالية ما تشرب الا من ورا كان كأنه يقرأ من خارطة امامه وكان شقيقه الاصغر حاج عبد الله رحمة الله عليه جليسه المفضل لأنه ادار الحواشة بعد جلوسه وكان مزاجه يعتدل واساريره تتهلل عندما يأتيه احد الذين كانوا يعملون معه في الحواشة وكان يغضب غضبا شديدا اذا قلنا إن المزراع مظلوم او الحواشة خسرانة وكان يبدأ دفاعه عن الحواشة من الطير والحيوان والغاشي والماشي الذي يأكل منها والعامل الذي يترزق منها فأصبحنا لا نذكر الحواشة بأي سوء امامه. اما عمنا عبد الله فقد ظهر الموبايل قبل وفاته بسنوات قليلة وقد سعد به غاية السعادة اذ كان دائم الامساك به وهو يتحدث مع شركائه في الانتاج وكان عندما يزوره الواحد منهم يحرص على أن لا يخرج منه الا وموبايله مشحون بالكهرباء . اما عمنا علي ود عبد الرازق رحمة الله من قرية القرضات فقد قال قولة سارت بها الركبان وهي (والله يا جماعة بعد نموت الحواشات ديل بيهملن هملة شديدة )
(3 )
إن الجيل المؤسس لمشروع الجزيره قد عاش فترة ما قبل المشروع فعاش متنقلا على تلك الارض الجرداء قليلة الموارد (زراعة مطرية وشوية رعي) فالمشروع وريه الدائم وزراعته المكثفة والسكن المستقر كان نقلة كبيرة جدا لذلك منحوه شبابهم بكل اريحية وتحملوا في ذلك سياط الانجليز وكان من الصعوبة أن تقنعهم بأنهم مظلومون وبالطبع هذا لا ينطبق على الجيل الحالي الذي فتح عينيه والمشروع من المعطيات بالنسبة له لذلك يحسبها بالمليم ويعرف اين يذهب فائض القيمة من انتاجه ولكن هذا ليس موضوعنا اليوم فموضوعنا كيف تجرد ذلك الجيل المؤسس ومن عاشره كأخينا عوض الله من نظرة المصلحة في علاقته بالحواشة لتصل هذه المرحلة الحب؟ لقد دفن هذا الجيل في الحواشة شبابه ونجاحاته واخفاقاته ونما من ذلك شريان الذكريات الذي اصبح يتخلل وجدانهم فرحلوا وفي انفسهم شيء من الحواشة . إن هذا الحب الكبير هو سبب سلامة (عضم) المشروع الحالية وهذه قصة اخرى.

عبد اللطيف البوني
صحيفة السوداني


تعليق واحد