أبشر الماحي الصائم

كرار و”عكازه المضبب”


[JUSTIFY]
كرار و”عكازه المضبب”

*لم يكن اللواء صلاح الدين كرار مجرد (وزير سابق)، وهذه لوحده بطاقة جديرة جهيرة، غير أن الرجل الكرار يحمل بطاقة (عضو جلس قيادة ثورة) لازالت ذات جذوة وصوله بين الناس، فعلى الأقل إنه واحد من بين بضع ضباط عسكريين وضعوا أرواحهم على أكفهم عشية ثلاثين يونيو 1989م ثم ذهبوا ليكتبوا نهاية لفصل سياسي مرتبك، ويحرروا في المقابل بداية لفصل سياسي جديد لازالت فعالياته تعرض على خشبة الأحداث ولا يزا يحتدم الجدل حول تقيمه.

* رأيت أن أقول، لو أن رجلاً غير كرار لطفق يعتاش ما بقي من عمره (ببطاقة الثورة) التي تعززها الوزارة والسفارة، غير أن سعادة اللواء يوم أن غادر أو يوم غدر به لا أدري، قد قلب تلك الصفحة وذهب ليؤسس حياة جديدة ليأكل من عرق يديه.

كنت يومها أجلس قبالة بنك أم درمان الوطني فرع القيادة بالخرطوم، فانتبهت إلى أن الرجل الذي يخرج من المصرف يحمل نقوداً بيده ويتجه صوب سيارته، ثم يقودها بنفسه، لم يكن ذلك الرجل إلا سعادة اللواء صلاح الدين كرار عضو مجلس قيادة ثورة الإنقاذ، لم يمنعه الحياء من أن يصرف شيكه بنفسه ويقود سيارته في الأسواق، ولنا وله في رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة حسنة، كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يغسل ثوبه ويخسف نعله ولم يمنعه الحياء لحمل بضاعته من السوق.. صلى الله عليه وسلم.

أسوق هذه المترادفات وكثير من كوادرنا الوطنية قد اغتالتها (ثقافة الاستوزار) المترعة، فعلى الأقل هناك كثير من المدرسين والمهنيين والعسكريين الذين استوزروا أو استحفظوا (محافظون) لم يجرؤوا إلى العودة إلى مدارسهم السابقة، بل ظلوا يسترزقون ويتحركون ويتمترسون ببطاقة (محافظ سابق)!.

*من الطرائف أن أحد الأشخاص الذين ترشحوا في وقت سابق لرئاسة الجمهورية، طفق يتحرك بين الناس والوزارات (والمصالح) ببطاقة (رئيس جمهورية غير منتخب)، وتجدني في هذا السياق من أنصار أن يمارس الناس مع السياسة مهنهم الأصلية، فلا يعقل أن يكون المرء طوال حياته على حالتين اثنتين، إما إن حزبه حاكم فهو مستوظف وعامل علي حماية هذا الكرسي والحكم بكل ما يملك، وإما إنه فقد هذا الحكم والكرسي، وهو يسعى إليه بكل ما يملك ولا يملك.

*غير أن المهندس كرار قد خلع كل نبرات وظائفه السابقة العسكرية والثورية والوزارية وذهب للأسواق ليأكل من خشاش مهنته، ولا تملك في هذه الحالة إلا أن تحترم ابن الجزيرة مقرات، الذي لا أمل أن أحكي تلك الطرفة التي تدثر بها ذات يوم وهو يسأل عن الإنقاذ، قال قصتي معها كرجلين بمحطة السكة الحديد، أحدهما سافر في القطار والآخر دخل في نوبة ضحك جهيرة بعد فوات القطار، فلما سئل قال (أنا المسافر تخلفت وأن المودع قد أخد مكاني في القطار)!

* في أحد اللقاءات سئل رجل مجلس قيادة الثورة إن كانت الحكومة قد خصصت له حرساً، قال أحرس نفسي (بعكاز مضبب) فأستعين به عندما أخرج لصلاة الفجر.

* غير أن قصة كرار الحقيقية هو أنه أول من خرج على (حكم المرشد) يوم أن كان وزيراً في حكومة يمسك شيخ حسن بمقودها من وراء حجاب، قال (أنا ليس لدي شيخ)، وأذكر يومها أني قد كتبت (الماعندو شيخ شيخو الشيطان)، ولقد دفع كرار غالياً ثمن ذلك، فأطيح بوزارته ثم بدلاً من أن يرسل سفيراً إلى شبه الجزر البريطانية، أرسل إلى جزيرة البحرين، جزيرة هي أكبر من جزر مقرات على أي حال بعدة مرات محدودات.

غير أن الحرية والاستقلالية التي يتمتع بها السيد كرار ناتجه عن تحرير قوته وإرادته، ومن يملك قوته يملك قراره، ومن يمتلك (عكاز مضبب) لايخشى قطاع الطرق..

طبت أخي كرار.. وزيراً وثائراً كبيراً

[/JUSTIFY]

ملاذات آمنه – صحيفة اليوم التالي