عبد اللطيف البوني

ليس دفاعا عن حمدوك

(1 )
في قمة الحراك الثوري تحديدا في الفترة التي أعقبت فض الاعتصام وقبل تشكيل الحكومة الانتقالية وفي ندوة بالمسيد (مسيد ودعيسى) تحدث الأستاذ فيصل محمد صالح قائلا ان الجماهير هذه المرة لن تشكل الحكومة ثم تنصرف الى شأنها كما حدث عقب الثورات السابقة، بل ستظل مراقبة للحكومة في تصرفاتها ولن تسمح بأي انحراف في مسيرة الثورة . لن يستطيع أحد ان يزاود ى فيصل في نقائه واتساقه، فقد عارض الإنقاذ بعزيمة لم تلن وكان من أشد الوزراء حرصا على نجاح الفترة الانتقالية وأبعد ما يكون عن المطامع الذاتية، لذلك يمكننا القول ان فكرته هذه كانت نابعة من ضمير الثورة، ولكن في تصورنا أن عدم تكييف الفكرة ودعمها بمستلزماتها جعلها تتحول الى ثغرة في جدار الثورة .
(2 )
أما الثغرة الثانية فقد كانت المحاصصة الحزبية التي تم بها تشكيل الحكومة ( مجلسي السيادة والوزراء) إذ كان الاتفاق ان تقوم الحكومة مضافا لها المجلس التشريعي على كفاءات وطنية غير متحزبة، وفي هذا قال السيد الصادق المهدي ان لحزبه قائمة من ألف شخصية وطنية قومية بذل جهدا كبيرا لتنقيتها وعلى استعداد لتقديمها لمركزية الحرية والتغيير لتبدأ منها ، لكن للأسف ركلت الفكرة والتزم حزب الأمة وحده وتسللت الأحزاب لجسم الحكومة وليتها فعلت ذلك بقيادتها المعروفة لتكون مسؤولة، بل بعناصرها الرخوة التي تربت في الظل لذلك وجدت جماهير الثورة التي ارتضت بدور المراقب نفسها في خانة المعارض فأصبحت الحكومة ضعيفة ضامرة تفتقر للبعد الجماهيري.
(3)
كان يمكن تلافي ضعف الحكومة وعزلتها بتقوية الدولة وجعلها دولة قانون وذلك بنظام عدلي مكتمل (مجلس قضاء عالي ومحكمة دستورية ومفوضية مكافحة فساد) وجهاز تشريعي فعال ليكون هناك ركنان على الأقل من أركان الدولة الثلاثة ولكن كان هناك إصرار على تثوير المرحلة اي وجود شرعية ثورية (لجنة التفكيك) لكنس الدولة العميقة ولكن مع ضعف الحكومة وانصراف الحاضنة لغنائم الحكم تحولت الشرعية الثورية الى معول لتفتيت الدولة الموروثة بدلا من تنظيفها أو تقويمها، وهكذا فقدت البلاد الأمرين الشرعية القانونية والشرعية الثورية فأصبحت الفترة الانتقالية فترة (خديج) يصعب تكييفها.
(4 )
هذا هو الظرف السياسي الذي جاء فيه الدكتور عبد الله حمدوك ليقود البلاد فعوضا عن قيادة حكومة انتقالية ذات مهام محددة خالية من المعارضة لأنها غير حزبية في دولة ثابتة الأركان يحكمها القانون او تسودها روح ثورية حقيقية، جاء ليقود حكومة ضعيفة باطنها حزبي معظم وزرائها يأتمر بأمر أحزابهم بصورة غير معلنة، ليس هذا فحسب بل في الأمر ظلال خارجية، فمعظم مكونات الحرية والتغيير الحزبية منقسمة على المحاور في الإقليم (الإمارات، قطر)، او على دول الجوار (مصر إثيوبيا ) فازداد الأمر تعقيدا . شباب الثورة بدلا من دعم الحكومة لمحاربة تجارة العملة والسوق الأسود والانفلات الأمني وتفعيل مؤسسات الدولة (خليك من الإنتاج والزراعة فالزراعة في السما)، فاذا هم على استعداد لتسيير المواكب وحرق اللساتك وإغلاق الطرقات وتعذيب المواطن بحجة مراقبة الحكومة حتى أرواح الشهداء الطاهرة حولها البعض الى تجارة سياسية وخدمة الأجندة الخاصة. فكيف يمكن لحمدوك أو لغيره مهما أوتي من قوة وعزيمة وفهم أن يعبر بالبلاد ؟ ومع ذلك لم ييأس الرجل وظل متمسكا بجذوة الأمل فبذل جهدا كبيرا في الجبهة الخارجية التي كانت هي الأخرى أسوأ من رديفتها الداخلية. ونواصل إن شاء الله.

صحيفة السوداني

تعليق واحد

  1. على ملك الرحمة حمدوك ان يعترف بفشله ويستقيل .. يجي واحد غيره ويستفيد من اخطاء حمدوك …
    او سلموا السلطة للجيش وهو يختار الكفاءات ويبعد الكفوات