استشارات و فتاوي

هل يحق للمرأة طلب الطلاق بسبب زواج زوجها بأخري وتاذت هي نفسيا ولم تستطع التحمل؟


السؤال:
السلام عليكم يا شيخ هل يحق للمرأة طلب الطلاق بسبب زواج زوجها بأخري وتاذت هي نفسيا ولم تستطع التحمل؟؟
الجواب:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد.
فإن تعدد الزوجات مشروع بكتاب ربنا جل جلاله وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم وإجماع أهل العلم؛ وقد قال الله عز وجل ))فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع)) وقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم عدداً من النساء وكذلك أصحابه رضي الله عنهم، وثبت في صحيح البخاري أن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال لتلميذه سعيد بن جبير رحمه الله تعالى {تزوج فإن خير هذه الأمة أكثرها نساء} وقد أجمع المسلمون على أن هذا الأمر من المباحات بل ذهب بعضهم إلى كونه مندوباً؛ لقوله صلى الله عليه وسلم {تناكحوا تناسلوا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة}
وليس لهذا الأمر من شرط سوى أن يأنس المعدِّد من نفسه العدل، لقوله تعالى ((فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم)) فمن علم من نفسه أنه لن يعدل لا يحل له أن يتزوج بثانية، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم {من كان له زوجتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل} والعدل المطلوب هو العدل المادي الظاهر في النفقة والمبيت، أما العدل في المحبة القلبية فهو غير مستطاع ولا مطلوب، وقد قال الله عز وجل ((ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة)) وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قسم بين نسائه قال {اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك} يعني حبه لعائشة رضي الله عنها وميله إليها أكثر من غيرها.
وأما دواعيه فبعضها ديني وبعضها دنيوي، فرب إنسان يتزوج بثانية وثالثة ورابعة إحياء للسنة واقتداء بالسلف الصالح، ورب آخر يفعلها رغبة منه في ستر نساء المسلمين وإعفافهن، وسعياً منه في تخفيف العنوسة والتقليل من الأيامى، ورب آخر يفعلها صلة للرحم كما يصنع بعض الناس حين يموت أخوه مثلاً وقد ترك ذرية ضعافاً يحتاجون إلى من يعولهم ويقوم بأمرهم؛ فيلجأ إلى التزوج من زوجة أخيه رغبة منه في تحقيق تلك المقاصد كلها، وبعض الناس قد يتزوج لأن امرأة قد علقت بقلبه وقد رغبت فيها نفسه، وآخر قد يتزوج لأن الأولى عاقر لا تلد، أو مريضة لا يستطيع مباشرتها ومعاشرتها، وآخر لأن الأولى لم يحصل بها الإعفاف المطلوب، وهكذا تتعدد أغراض الناس، والحكم العام أن الزواج بالثانية مباح؛ وقد يرتقي إلى درجة المندوب أو الواجب بحسب الدواعي الحاملة عليه.
ورضا الزوجة الأولى غير معتبر؛ إذ رضاها محال لكون الإنسان مجبولاً على حب الاستئثار بالشيء وكراهة مشاركة الغير له فيه، والمرأة لا ترضى بأن يتزوج صاحبها عليها، وهي فطرة جبل الله النساء عليها، ولذلك لو اعتبر رضاها شرعاً لما تزوج أحد على امرأته، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يخبر نساءه إلا بعد أن يتزوج، وهذا من حكمته وحسن خلقه عليه الصلاة والسلام.
وهذا التشريع خير كله، ورحمة كله، وبركة كله، وليس له سلبيات، وما يذكره الناس في ذلك إنما هو من قبيل الأوهام التي ينفخ فيها شياطين الإنس والجن الذين يكرهون الفضيلة ويحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، وأنقل ها هنا كلاماً نفيساً للشيخ العلامة الشنقيطي رحمه الله حيث قال: ومن هدي القرآن للتي هي أقوم – إباحته تعدد الزوجات إلى أربع، وأن الرجل إذا خاف عدم العدل بينهن، لزمه الاقتصار على واحدة، أو ملك يمينه، كما قال تعالى وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي اليتامى فانكحوا مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النسآء مثنى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ولا شك أن الطريق التي هي أقوم الطرق وأعدلها، هي إباحة تعدد الزوجات لأمور محسوسة يعرفها كلُّ العُقَلاء:
منها – أن المرأة الواحدة تحيض وتمرض، وتنفس إلى غير ذلك من العوائق المانعة من قيامها بأخص لوازم الزوجية، والرجل مستعد للتسبب في زيادة الأُمة، فلو حبس عليها في أحوال أعذارها لعطلت منافعه باطلاً في غير ذنب
ومنها – أن الله أجرى العادة بأن الرجال أقل عدداً من النساء في أقطار الدنيا، وأكثر تعرضاً لأسباب الموت منهن في جميع ميادين الحياة. فلو قصر الرجل على واحدة، لبقي عدد ضخم من النساء محروماً من الزواج، فيضطرون إلى ركوب الفاحشة فالعدول عن هدي القرآن في هذه المسألة من أعظم أسباب ضياع الأخلاق، والانحطاط إلى درجة البهائم في عدم الصيانة، والمحافظة على الشرف والمروءة والأخلاق! فسبحان الحكيم الخبير! ((كتاب حكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير))
ومنها – أن الإناث كلهن مستعدات للزواج، وكثير من الرجال لا قدرة لهم على القيام بلوازم الزواج لفقرهم؛ فالمستعدون للزواج من الرجال أقل من المستعدات له من النساء؛ لأن المرأة لا عائق لها، والرجل يعوقه الفقر وعدم القدرة على لوازم النكاح؛ فلو قصر الواحد على الواحدة، لضاع كثير من المستعدات للزواج أيضاً بعدم وجود أزواج. فيكون ذلك سبباً لضياع الفضيلة وتفشي الرذيلة، والانحطاط الخلقي، وضياع القيم الإنسانية، كما هو واضح. فإن خاف الرجل إلا يعدل بينهن، وجب عليه الاقتصار على واحدة، أو ملك يمينه؛ لأن الله يقول ((إِنَّ الله يَأْمُرُ بالعدل والإحسان)) والميل بالتفضيل في الحقوق الشرعية بينهن لا يجوز، لقوله تعالى ((فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الميل فَتَذَرُوهَا كالمعلقة)) أما الميل الطبيعي بمحبة بعضهن أكثر من بعض، فهو غير مستطاع دفعه للبشر، لأنه انفعال وتأثر نفساني لا فعل، وهو المراد بقوله ((وَلَن تستطيعوا أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النسآء))، كما أوضحناه في غير هذا الموضع.
وما يزعمه بعض الملاحدة من أعداء دين الإسلام، من أن تعدد الزوجات يلزمه الخصام والشغب الدائم المفضي إلى نكد الحياة، لأنه كلما أرضى إحدى الضرتين سَخطت الأخرى. فهو بين سخطتين دائماً – وأن هذا ليس من الحكمة. فهو كلام ساقط، يظهر سقوطه لكل عاقل. لأن الخصام والمشاغبة بين أفراد أهل البيت لا انفكاك عنه البتة، فيقع بين الرجل وأمه، وبينه وبين أبيه، وبينه وبين أولاده، وبينه وبين زوجته الواحدة. فهو أمر عادي ليس له كبير شأن، وهو في جنب المصالح العظيمة التي ذكرنا في تعدد الزوجات من صيانة النساء وتيسير التزويج لجميعهن، وكثرة عدد الأمة لتقوم بعددها الكثير في وجه الإسلام – كلا شيء، لأن المصلحة العظمى يقدم جلبها على دفع المفسدة الصغرى.
فلو فرضنا أن المشاغَبة المزعومة في تعدد الزوجات مفسدة، أو أن إيلام قلب الزوجة الأولى بالضرة مفسدة، لقدمت عليها تلك المصالح الراجحة التي ذكرنا، كما هو معروف في الأصول. إلى أن قال رحمه الله تعالى: فالقرآن أباح تعدّد الزوجات لمصلحة المرأة في عدم حرمانها من الزواج، ولمصلحة الرجل بعدم تعطّل منافعه في حال قيام العذر بالمرأة الواحدة، ولمصلحة الأمة ليكثر عددها فيمكنها مقاومة عدوها لتكون كلمة الله هي العليا، فهو تشريع حكيم خبير، وهو أمر وسط بين القلة الفضية إلى تعطل بعض منافع الرجل، وبين الكثرة التي هي مظنة عدم القدرة على القيام بلوازم الزوجية. والعلم عند الله تعالى.ا.هـــ
والذي أنصحك به أختاه أن ترضي بقضاء الله وقدره، وتوطني نفسك على الصبر على ما نزل بك؛ لعل فيه خيراً وأنت لا تدرين، والله تعالى يقول: ((وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون)) وإذا أنست من حالك أنك لا تطيقين صبراً فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها؛ ويمكنك طلب الطلاق أو أن تشترطي على زوجك ألا يقربك حتى تهدأ نفسك وتتفكري فيما يصلحك، والله الموفق والمستعان.

الشيخ عبد الحي يوسف