عبد اللطيف البوني

حرية وطعام وعدالة

(1 )
قرات في الأسبوع المنصرم مقالا ماتعا للأستاذ ياسر عرمان عن شخصية القائد المهدوي الزاكي طمل في غوص واستدعاء ذكي للتاريخ، وقد استوقفتني في المقال عبارة تعالج العلاقة بين الثورة والدولة في المهدية جاء فيها لقد (امتصت الدولة رحيق الثورة) وقعت لي هذه العبارة الجامعة المانعة فوق جرح حيث كنت بصدد الكتابة عن العلاقة بين ثورة ديسمبر الشعبية المجيدة والحكومة الانتقالية التي تمخضت عنها، وفي تقديري انه قد حدث فيها ما حدث في الفترة المهدية حيث امتصت الحكومة الانتقالية رحيق تلك الثورة وأسطع دليل على ذلك ما جاء في مبادرة حمدوك يوم الثلاثاء الماضي، حيث قال حمدوك ما لم يقله من قبل، إذ خرج من تفاؤله المفرط الى تشاؤم ينقصه التشاؤل، ونحمد له إصراره على الإمساك بالراية وعدم الخروج من المعركة.
(2 )
كتب التاريخ تئن بالأسباب والكيفية التي جعلت الدولة في المهدية تمتص رحيق الثورة ومنها ماهو موضوعي يحدث بعد كل ثورة وما يتعلق بظروف البلاد وما يحيط بها من أعداء، ومنها ماهو ذاتي يرجع لقيادة الخليفة ومشايعيه من أولاد البلد ومعارضيه من أولاد البحر، فالانقسام هو المدخل الأساسي لاي تفكك وفشل، يبقى السؤال كيف امتصت الحكومة الانتقالية رحيق ثورة ديسمبر الشعبية؟ لا أظن اننا في حاجة لإثبات ذلك الامتصاص، فمبادرة حمدوك والتي خلاصتها ان البلاد تقف الآن على شفير الهاوية أغنتنا عن الكثير ثم تمزق جبهة الذين قاموا بالثورة تدعم ما ذهب اليه حمدوك مثلما أنها كانت سببا في الذي حدث . كما يقولون ان المعاصرة حجاب وبالتالي تبقى اية محاولة لاستنكاه سبب جناية الحكومة على ثورة ديسمبر الشعبية كالسير في رمال متحركة، ففصول الرواية لم تكتمل بعد ولكن الذي يهمنا أن النتيجة قد ظهرت عيانا بيانا.
(3 )
ثورة ديسمبر قد دخلت تاريخ السودان الحديث من أوسع أبوابه وستظل معلما بارزا فيه، أما فشل الحكومة الانتقالية فقد وضع البلاد الآن في مرحلة جديدة واي محاولة لاستعادة ذات الثورة تبقى أمرا مستحيلا، فالظرف الموضوعي قد تغير، التركيبة الحاكمة قد تغيرت، حكام اليوم ليسوا حكام ديسمبر 2018، التحالفات السياسية في مرحلة اصطفاف جديد بعد سلام جوبا . العلاقات الخارجية أصبحت في مرحلة جديدة، عليه يتوجب على حمدوك طالما أنه ارتضى خوض الشوط الثاني وهو شوط المدربين كما يقولون ان يتحمل المسؤولية كاملة ، وذلك بطرح السياسات التي يود انتهاجها مع الفريق الذي يتحمل معه المسؤولية، فحمدوك أكثر علما بالذي جرى او هكذا ينبغي ان يكون لأنه الماسك بالقلم ولأن التفويض الشعبي الذي وجده لم يجده حاكم سوداني من قبل . التفويض المشار إليه ليس أمرا جامدا (استاتك) بل هو شيء مرن يتمطى وينكمش حسب الأداء.
(4 )
ما ذكرناه أعلاه ليس دعوة لإيجاد حكم فرد جديد وليست دعوة لانفراد بالرأي وليس دعوة لهدم المؤسسية، بل بالعكس تماما فالمطلوب من حمدوك اليوم قبل الغد ألا يحكم بدون مجلس تشريعي . المطلوب منه استكمال المؤسسات العدلية بإقامة المحكمة الدستورية ومفوضية مكافحة الفساد والعدالة الانتقالية . المطلوب إيجاد آلية لمحاسبة مرؤوسيه من وزراء وحكام ولايات حساب منكر ونكير. من الآخر كدا هذا زمن دولة القانون والمؤسسات وليس زمن البحث عن الرحيق الممصوص، فالتاريخ لا يعيد نفسه، والنهر لا يجري في ذات المجرى مرتين.

صحيفة السوداني

‫3 تعليقات

  1. من تخاطب ايها الكاتب المغوار …
    قحط ورعاعها سادرون في فيهم يعمهون ..
    اختونااااااااو