أبرز العناوينرأي ومقالات

إثيوبيا بين الداخل الهش والتحدي الخارجي الصعب


منذ أن جاء الرجل الأقوى فى السياسة فى إثيوبيا السيد آبى أحمد إلى السلطة ، بدأ صراع من نوع آخر ، صراع أبناء الثورة من جانب ، والثورة المضادة من جانب آخر ، مما لا شك فيه أن التغيير الذى حصل فى إثيوبيا جاء إثر هبّة شعبية من الداخل قادتها القومية الأورومية ذات الأغلبية العريضة فى إثيوبيا ، ولكن الناس لاحظوا أن التغيير لم يكن لصالح من كان وراء التغيير ، كما أنه لم يكن لصالح الحكومة ، بل حاء الإنقلاب على الجميع ، فقد خرج من الصف الثانى من الحكم السيد آبى أحمد ، وهو الذى عمل فى الأمن والجيش والحكومة ، ولكنه لم يكن من صنّاع القرار السياسي ، وتراجع رجال كبار من الصف الأول عملوا مع السيد ملس زيناوي مؤسس الدولة الحديثة ، والنظام الجديد ، وفى الجانب الآخر ، تراجع كثيرون من الذين عملوا فى تحريك الشارع ، بل ويقبع فى السجن من كان البطل الأساسي فى التحريك الأستاذ جوهر محمد ، الزعيم الأورومي .
لقد جرت مياه كثيرة ، وتحركت رمال كيثيفة ، وتنوعت الصراعات فى إثيوبيا داخليا وخارجيا أثناء حكم الدكتور آبى أحمد ، والذى نجح فى ملفات عدة ، أغلبها خارجية ، ولكنه خسر ملفات أساسية أغلبها داخلية ، ولم ينجح فى إدارة الصراع بشكل خاص فى منطقة ( تغراي ) شمال البلاد ، بل وجعل الصراع الداخلي الذي كان من الممكن إدارته بشكل آخر صراعا إقليميًا حيث أدخل الصراع دولة إريتريا ، والتى تعتبر نظامها الحاكم عدوّا لدودا لشعب تغراي ، ومن هنا رأينا الصراع يخرج من دائرة الإقليم إلى العالمية ، وبهذا خسر الدكتور آبى أحمد مرة أخرى فى هذا الصراع النوعي .
أعلنت إثيوبيا بأنها بدأت الانسحاب من اقليم تغراي ، وأن الجيش ترك الاقليم من وراءه لأسباب إنسانية ، ولكن هذا عند كثير من المتابعين تجميلا لوجه النظام ، ووضع بعض المساحيق على الوجه بشكل غير طبيعي ، فالسياسة عند النجاح لا تعترف بالإنسانية ، بل تتحدث عن منطق القانون والقوة ، ولكن عند الهزيمة يمكن الحديث عن الإنسانية ، ومن هنا وجدنا وزير الشؤون الخارجية فى إثيوبيا تحدث عن الحقيقة حيث ذكر فى مؤتمر صحفي بأن الدولة خسرت فى معارك تغراي أكثر من 100مليار بر إثيوبي ، وهذا كما زعم المسؤول الإثيوبي رفيع المستوى أكثر من ميزانية الإقليم من ثمانية مرة ، ولكن الوزير أكد فى تصريحاته بأن هناك مهددات خارجية لا يمكن فصلها عن الصراع الداخلي فى تغراي ، ولكنه ابتعد عن ذكر من يكون وراء هذه التهديدات المخيفة .
لدينا تصريحات سياسية صادرة من جهات سيادية فى الحكومة ، بعضها تدل على وجود مخاوف شديدة من النظام الحاكم ، والبعض الآخر تتحدث عن تخبط سياسي ، وكل ذلك يجعلنا نسأل ، من يحكم اثيوبيا ؟ من وراء الدكتور أحمد آبي ؟ هل يمثل عمقا شعبيا كما يريد من الانتخابات الشكلية التى جرت فى اثيوبيا مؤخرا ؟ أم هو يمثل القومية الأمهرية التى تمثل القومية العميقة فى حكم إثيوبيا ؟ أم هو يمثل ذاته ؟
لقد تناول وزير الدولة للشؤون الخارجية فى اثيوبيا السفير رضوان حسين بأن هناك أطرافا دولية عديدة تستهدف إضعاف الدولة ، ولهذا لا يمكن أن نستمر فى صراع تغراي فى ظل تحول الصراع إلى نوع آخر يستهدف استنزاف موارد البلاد .
وأوضح الوزير فى تصريحاته بإن لا يمكن للعالم أن يسألنا عن لماذا لا تصل المعونات الإنسانية إلى الإقليم ؟
وتحدث بشكل واضح بأن البلاد تواجه أزمة حقيقية بشأن سد النهضة ، وأن أولوية الحكومة هى الملء الثانى لسد النهضة ، ولكن هناك صعوبات بالغة تأتى من مصر والسودان فى هذا الشأن .
نستنتج من هذه التصريحات أمورًا عدة أبرزها :
أولا : هناك تدخلات خارجية فى الشأن الإثيوبي ، وتأتى غالبها من الولايات المتحدة ، والاتحاد الأوربي ، وأعلنت جهات ضاغطة ، وأخرى حاكمة بأن الشأن الإنساني فى إقليم تغراي خطيرة ، ويجب من المجتمع الدولي التدخل السريع ، وهناك أخبار قريبة من الحقيقة تتحدث عن حراك سياسي فى أمريكا تقودها السيدة كوندوليزا رايس ، وزيرة الخارجية الاميركية السابقة ، والتى كانت قريبة سياسيا من رئيس وزراء إثيوبيا السابق ملس زيناوي ، وأدت هذه التدخلات السياسية إلى تراجع مواقف الحكومة التى يقودها الدكتور آبى أحمد .
ثانيا : إن الدولة تواجه معركة عنيفة فيما يتعلق بسد النهضة ، وهذه المعركة لها وجهان ، وجه قانوني ودبلوماسي ، ووجه عسكري وأمني ، ونحن نعرف أن مصر عاشت ، وما تزال تعيش فى معركة الهوية السياسية ، ولكن لأسباب سياسية ، وأخرى متعلقة بالوجود حركت كل قواها ومخزونها البشري ، وتملك مصر مخزونا بشريا مكثفا فى مجالات القانون الدولي ، ومجالات الأمن مما جعل الحكومة الإثيوبية مرهقة سياسيا واقتصاديا ، بل ويوجد من يتحدث عن وجود صواريخ روسية وصينية خاصة للدفاع عن سد النهضة مما يؤكد المخاوف الحقيقية من وقوع حرب ما بين إثيوبيا ومصر بسبب سد النهضة ، ووصلت الأسلحة مؤخرا إلى البلاد من خلال موانئ جيبوتى .
ثالثا : إن قوة الدولة تأتى حقيقة من قوة الشعب ووحدته وتماسكه ، ونحن اليوم ، ومن خلال تصريحات الوزير نتعرّف بأن الدولة الإثيوبية تمر مرحلة صعبة حيث تعلن بأنها ليست مسؤولة عن وصول المعونات لإقليم تغراي ، وهذا يدلّ على فقدان ركن أساسي لوجود الدولة ( فقدان الرعاية الشاملة ) ، والدولة لا تكون دولة بدون هذه ، ذلك لأن الدولة لها مهمتان ، المهمة الأولى تكمن فى الرعاية الشاملة ، والثانية تكون فى الحماية الشاملة ، وكل دولة تخفق فى هاتين ، او فى إحداهما ، فهي دولة فاشلة .
رابعا : إن التحالف السياسي بين اريتريا كنظام سياسي فاشل داخليا ، ومستبد سياسيا ، وبين اثيوبيا كدولة محورية فى الاقليم ، ويقودها رجل حاز جائزة السلام ، وقاد هذا التحالف إلى كارثة إنسانية فى اقليم تغراي ، يجعل الحكومة الإثيوبية تواجه الصعوبات السياسية فى الملفات الداخلية والخارجية ، وعلى الوجه الأخص الدكتور أحمد آبى الحاصل على جائزة نوبل للسلام .
خامسا : هناك من يحاول إعادة عقارب الساعة إلى الوراء ، ويريد أن يعيد إثيوبيا التاريخية من خلال الدكتور آبى أحمد ، فيتم استخدامه كورقة وقتية للوصول إلى مآرب سياسية ذات أبعاد قومية ، ولم يتنبه الدكتور آبى أحمد لهذا إلا مؤخرا ، ومع هذا فإن الصراع التغراني -الأمهري لن يتوقف عند هذه المحطة ، بل سيواصل زحفه نحو الأجيال اللاحقة ، لأن الشعب التغراي قد تعرض لتصفيات خطيرة من قبل الجيش الأمهري ، والجيش الإريتري قد تصل إلى حد المجازر العامة .
سادسا : إن الشعوب فى إثيوبيا تعيش فى لحظات المراجعة ، فالكنيسة الرسمية ( الأرثوذكسية ) ليست مع الحكومة ، كما ان التدين المسيحي الجديد ( الأصولية الجديدة ) والتى تتأثر سياسيا بالولايات المتحدة لن يكون بحال من الأحوال مع الحكومة ، وهناك الاقليم العفر الذى يمكن ان يتحالف مع التغراي ، وكذلك اقليم بنى شنغول ، وشعوب الجنوب الغاضبة ، وهناك أيضا اقليم اورومو الذى يشكو من تصدّع كبير حيث يصطف جزء كبير من الشعب فى هذا الاقليم مع المعارضة، كما أن جزء آخر منه يصطف مع الدكتور أحمد آبى وحزبه ( الازدهار ) ، فهذا التصدع الشعبي الأورومي ليس لصالح الحكومة التى يقودها أحمد آبى ، وليست كذلك لصالح الدولة .
ويوجد إلى جانب ذلك العمل المنظم من قبل القومية الأمهرية ، والتى تمتد فى المساحة الإثيوبية ، وليست فقط فى اقليم أمهرا ، كما أن هناك مشكلة تتعمق ، وتشتد مع أزمة اقليم تغراي ، وكل هذا ينبئ عن هشاشة داخلية ، ولهذا تواجه الدولة الإثيوبية أزمة وجود فى هذه المرحلة .
سابعا : لقد أعلنت أزمة اقليم تغراي وجود أزمة بنيوية فى الدولة ، ومن هنا يجب أن يطرح النخب الفكرية والسياسية فى إثيوبيا رؤية جديدة تتجاوز مسألة الحكم ، وتطرح إمكانية التعايش بين الشعوب فى هذه الدولة العتيقة .
إن ما يسمى بأزمة الدولة الحديثة فى أفريقيا ، والتى نتجت عن مرحلة ما بعد مرحلة الإستعمار متجذرة فى الإنسان الأفريقي ، والسبب هو أننا نفكر فى صناعة الدولة قبل أن نعمل فى صناعة المجتمع الذى يقيم الدولة ، ولهذا يكون سقوط الدول عندنا أسهل من سقوط البنايات ، فالدولة الحديثة نتيجة تفاهمات ، وليست نتيجة بناء الدول من خلال الأسر والعوائل كما كان الأمر من قبل .
تعيش الدولة فى إثيوبيا فى هذه المرحلة ما بين هشاشة داخلية ، وتحديات خارجية تبدأ من الاقليم وتنتهى بالعالم ، ولن نستطيع أن ننسى الصراع الصيني الأمريكي فى القارة ، وهذا الصراع سيشتد فى مرحلة بايدن والديمقراطيين ، وستكون اثيوبيا أول ضحايا هذا الصراع كنقطة بدء ، وربما ستكون حيبوتى ودول أخرى فى القرن الأفريقي فى الطريق.

عبد الرحمن بشير


تعليق واحد

  1. والله انطبق عليكم المثل القائل ..
    اب سن يضحك على اب سنتين …………….
    هههههههههههههههههههههههههههههههه
    انت شوف حال بلدك الاول وبعدين اتكلم عن الناس !!!!!!!!!!!!