عبد اللطيف البوني

حمدوك (تاني جاب سيرة المبادرة)


(1 )
أمسية الأحد، و(الجزيرة مباشر) شغالة ردحي في السودان، وللأسف تلفزيون جمهورية السودان معها في نفس الخط، ومن يشاهد أي من الشاشتين، سيجزم بأن السودان قد احترق، أطل علينا الدكتور عبد الله حمدوك بتصريح صحفي مكتوب بعناية، فأخمد كثيراً من النيران المشتعلة، فانصرفت (الجزيرة مباشر)، وبقي تلفزيون السودان مواصلاً في التأجيج، بدلاً من التهدئة، لقد استمد تصريح حمدوك قوته ليس من محتواه فقط، بل من شخصية السيد حمدوك الذي جعلته الظروف الآن شخصية محورية في تجاوز الأزمة الماثلة، نعم شعبية حمدوك قد تراجعت كثيراً، ولكنه ما زال هو الممسك بالخيوط، وحتى لا نظلم الرجل، ونقول إنه وليد الظروف الموضوعية فقط، فالمسألة لها بعد ذاتي يتمثل في عفة لسانه وهدوئه، ومجانبته للسياسة الإقصائية، فالرجل في حالة سعي دائم للم شمل أكبر عدد من السودانيين.
(2 )
لقد بدأ التصريح بتكييف الصراع على أنه ليس صراعاً (عسكرياً مدنياً)، بل بين من يريدون التحول الديمقراطي والرافضين له، ثم دعا للالتزام بالوثيقة الدستورية، وهذا يؤكد إصراره على العلاقة بين المكونين والمدني والعسكري، ثم قال إن لجنة التفكيك مكسب ثوري لا يمكن التفريط فيه، واختتم البيان بإشارة مركزة لمبادرته (الأزمة الوطنية وقضايا الانتقال والطريق إلى الأمام)، واصفاً إياها بأنها الطريق لتوسيع قاعدة المشاركة، وزاد كيل بعير بالنص: (أجدد التأكيد على أنها مبادرة جميع السودانيات والسودانيين (Ladies first) وأنني سأعمل بجد خلال الأيام القادمة للمضي بها قدماً حتى تبلغ غاياتها التي حددتها المبادرة) انتهى التصريح.
(3 )
في تقديري أن بيت القصيد في التصريح هو الذي أوردناه بين القوسين أعلاه، لأنه أوضح أن خطوته القادمة وهي الرجوع للمبادرة. وهذه المبادرة عندما أطلقت وجدت ترحيباً واسعاً لما فيها من تشخيص للأزمة بعناصرها السبعة، وكانت انقلاباً في خطاب حمدوك، فبعد أن كان يجنح للتفاؤل (سنعبر وننتصر)، قال في المبادرة إن البلاد ليست على ما يرام، وأنها على شفير الهاوية، وبهذا أبطلت المبادرة لما كان يخطط في 30 يونيو، فمر اليوم بسلام، ولكن المبادرة تعرضت للسهام بمجرد ما كون لها آلية بعد شهرين من إطلاقها، لأننا في السودان اعتدنا على شخصنة الموضوعات فننصرف دوماً لـ(من) وليس (ما)، وهذه قصة أخرى، أما الهزة الكبرى التي تعرضت لها المبادرة فهي الإعلان السياسي (الأربعاء 8 سبتمبر) الذي حضر حمدوك توقيعه، رغم أنه أبدى تحفظاً عليه في حديثه في ذات المناسبة، فالإعلان كان لجزء من (قحت)، فكيف يشهده حمدوك، ومبادراته التي تعكف عليها الآلية في الوقت ذاته تدعو للم شمل جميع (السودانيات والسودانيين)؟
(4 )
إذن في ليلة الأحد العاصفة، افتقد حمدوك مبادرته وقرر الرجمع إليها وبقوة، بدليل قوله: (إنني سأعمل بجد خلال الأيام القادمة للمضي بها قدماً حتى تبلغ غايتها) بجد دي حلو شديد إذ يمكن أن تصل مرحلة (دونها خرط القتاد)، أو (يا غِرِقْ يا جيت حازمها)، يبقى السؤال كيف يمكن لسيادته أن يتخطى الحفر التي ظهرت في طريقها، أفتكر ما في داعي نقول التشوهات التي ظهرت فيها لأن المبادرة (في عضمها) كانت سليمة؟ أجاب بالقول: (أرحب بردود الأفعال التي صدرت مؤخراً من جميع الأطراف حول المبادرة) . غداً نواصل إن شاء الله، بس ما تنسوا (جميع السودانيات والسودانيين)

عبد اللطيف البوني
صحيفة السوداني


تعليق واحد

  1. في البدء وسطية واعتدال السيد رئيس الوزراء في هذا الظرف الحساس لا تتناسب وتتسق مع تعقيدات الراهن الاجتماعي والسياسي، فمبادرة لم الشمل لكل السودانيين بكل شرائحهم ليست قاصرة على الذين يتسلقون رقاب الشعب ويملؤن الساحة بالنعيق على أنهم القوى المدنية الحية، فابناء السودان الخلص هم كثر ولأنهم معادن نادرة يحتاجون إلى تنقيب، فهم روح وقلب هذه المبادرة إذا أراد لها النجاح، وليس من يسعون بكل قواهم في تأسيس حاضنة سياسية جديدة قحت2 لمواراة اطماعهم ويتمشدقون علنا بأنهم عانو التهميش والإقصاء من قحت 1 ونافذين منها، كما أن المبادرة فتحت شهية المكون العسكري في دعوته بضرورة توحد المدنيين بل إن كل الدلائل والمؤشرات توحي بأنهم يعملون على ترويض هذه المبادرة من خلال التحالف مع آلحركات المسلحة الموقعة على إتفاقية جوبا وبعض كيانات الإدارة الأهلية، فنجاح مبادرة حمدول حتى يكتب لها النجاح لابد أن تتفادى هذه السوءات.