حكايات «مأساوية» من داخل دار المسنين
تكتسي ملامحهم بحزن دفين ويغلب الشرود على تفاعلهم مع الحياة التي يعيشونها منعزلين عن اسرهم كل بأسباب تختلف عن الآخر ،رجال بلغ بهم العمر مبلغاً وآخرون لم تتجاوز اعمارهم الـ (50 ) كثيرا، ملامحهم تغطي كل انحاء السودان وتاريخهم يحكي عن ادوار مقدرة لعبوها لكنهم في آخر المطاف كان مصيرهم ان يحلوا ضيوفاً دائمين في دار للعجزة يتولى رعايتهم اغراب عنهم .
في هذه المساحة حاولنا الكشف عما يعاني منه هؤلاء وقد زارتهم امس لجنة الشئون الاجتماعية بالبرلمان بغرض الوقوف على احوالهم وتقديم بعض الهدايا لهم في محاولة لمشاركتهم همومهم والتقصي عن اوضاعهم .
رجل مايو
أحد النزلاء بدا في حالة ذهول للحال الذي وصل اليه وقد كان نقيباً في جهاز الامن وسكرتيرا لابوالقاسم محمد ابراهيم في عهد مايو والنائب الاول للرئيس نميري، ابتدر حديثه بقوله لم اكن اتخيل ان اكون في يوم من الايام قابعا ً في دار للمسنين واقرب الناس الىّ لا يصدقون وجودي هنا، كما ان فكرة وجود مسنين في دار بمعزل عن اسرهم امر غريب عن عادات السودانيين و سكت برهة وقال زمان البيت السوداني يبنى به اولاً (بيت الضيوف ) وفي بيوت ام درمان القديمة يوجد (النفاج) .
وعن قصته يقول تركت زوجتي وابنائي في بيروت وقدمت الى السودان بعد وعود بإمكانية ان اعمل في ظروف افضل هنا وقد قالوا ان (الحال انصلح ) ولكن لم يتحقق لي ذلك رغم انني كنت مستقراً هناك وبعدها اصبت بشلل وكنت محتاجاً لاشخاص يعينوني على الحركة ومكثت فترة مع شقيقتي ولها ابنتان ولكنني شعرت انني اصبحت عبئاً عليها وعرقلت حركتها وبعد تحسن حالتي قلت لها يوما انني ذاهب الى صديقي وبالفعل مكثت معه فترة لكنني ايضا شعرت بأنني صرت عبئا عليه وبعدها اتيت الى الدار وما كان أحد يعلم بذلك. وواصل: اضطررت الى الرد في صحيفة لي عن الحقائق حول مايو وانكشف وجودي في الدار لكنني رفضت الخروج والمكوث مع اي شخص وواصل (مافي راحة للزول إلا في بيته ) لكن وجودي هنا افضل من اكون عبئا على احد او ان يكون لأي شخص افضال علىّ.
وابراهيم تحيط به صحفه التي يقرأها بأستمرار وعلاقته لاتزال مستمرة بأبوالقاسم وقال ان ابن ابوالقاسم زاره امس كما ان ابراهيم شارك في مراسم دفن الرئيس نميري .
ابراهيم يعاني من كسر في (المخروقة ) ويحتاج الى اجراء عملية تبلغ تكلفتها اكثر من (12) مليون جنيه وينتظر الخيرين لاجراء العملية التي ينوي في حال بلوغه تمام صحته المغادرة الى ابنائه في بيروت .
وعن اسرته يقول انه متزوج من لبنانية وله ابناء يتصلون به يوميا ولكنه رفض ان يقطعوا دراستهم ويأتوا اليه، ويطمع في ان تجرى له العملية ويخرج من الدار وقطع حديثه احد الافراد الذي صافحه بحرارة وقال له انهم علموا من خلال الصحيفة بوجوده في الدار وحبس ابراهيم دموعه وهو يتحدث معه.
احتاج الى موتر
ابتدر ابراهيم حسن عبد الخير حديثه بقولة احتاج الى موتر كي يساعدني على الحركة واعود الى مهنتي ميكانيكيا، يقول انه كان بالعراق وانه كان يعمل جيدا في ورشته قبل ان يعتدي عليه (حرامي) بالضرب ويصيبه بإعاقة ويأتي به رئيس لجنة الحي الذي يسكن فيه الى الدار، ويقول ان له اخوة وكان يعول اسرة بكاملها قبل ان يتعرض الى الاصابة والآن يحتاج الى دعم الخيريين له بموتر حتى يواصل مشواره.
إبعاد إداري
حسن فراج سعيد يجلس منفرداً وفي يده (مسبحة) قطعنا تسبيحه ودلفنا معه في تفاصيل حكايته حيث قال دون تردد ولدت في بحري ودرست الهندسة في السويد وعملت مهندسا لمدة (37) عاما واسرتي التي تتكون من (3) ابناء وبنت واحدة تعيش الآن في الامارات وقد كنت معها قبل ان يتم ابعادي بكيد تشهد عليه طفلة تعرضت لاعتداء شاهدته ونزلت من عربتي واعتديت على الشخص الذي اعتدى عليها واستدعيت الشرطة لأفأجأ بأن أفرادها قاموا بتحية الشخص المعتدى وكان مصيري انا الابعاد الاداري لمدة سنة و(7) أشهر.
حكاية حماد
قال انه اصغر اخوته وان والده قسم الحقوق ولم يعطه نصيبه ورغم تقدم سنه إلا ان حماد قال انه لم يسبق له ان تزوج ويصر على عدم الرجوع الى اسرته التي تقطن مدينة الجنينة ويشكو من آلام في عينيه ويرغب حماد في ان تعالج مشكلة عينيه فقط ولا يرغب في العودة الى اسرته .
تائه
موسى آدم كبير تعرض لحادث حركة وفقد الذاكرة ويخضع للعلاج منذ 2006م.
حكاوى من الدار
احدهم يعوله اخوه المغترب ويرسل له مبلغاً شهرياً له ولاخوته الآخرين مناصفة لكن اخوته فضلوا ان يرسل له المبلغ كاملا ويغادرهم وهذا ما أتى به الى الدار.
آخر أتى به ابنه سائق امجاد ووضعه في مدخل الدار وغادر وحينما اتصلت اسرة الدار بالابن جاء وقال لوالده ان والدته لا ترغب في وجوده في البيت ووعد والده بأن يتزوج ويأتي به ليعيش معه إلا ان الوالد بعد الموقف رفض الذهاب مع ابنه وفضل البقاء في الدار.
وآخر أتت به اسرته وله ابنة طالبة جامعية تزوره بإستمرار في الدار.
وأحدهم قام بتربية ابناء ليسوا أبناءه وحينما كبر أتوا به الى دار العجزة ومنهم محامون وأحدهم قال انه سيرجعه اليه حينما يكمل التشطيبات التي يقوم بها في داره إلا ان الرجل مات وقامت بدفنه الشرطة .
مدير الدار
فتح الرحمن ابراهيم فضايلي تحدث عن احتياجات الدار وقال انها كثيرة في الجانبين الصحي والاداري واحتاج الى قاعة وناشد منظمات المجتمع المدني بالمساهمة في تلبية احتياجات المركز .
نائب مدير الدار
نائب مدير الدار صلاح عبد الله قال ان الدار بها (71) غرفة وبها (70) نزيلاً ولديهم مرشد اجتماعي ونفسي، ويقول ان بعض الاسر تأتي وتسأل عن احوال منتسبيها نزلاء الدار والبعض أتت به اسرته الى الدار، وقال هناك ضعف في الصرف الصحي وانتقد قانون الاسرة ووصفه بالضعيف .
طبيب الدار
د. عبد السلام ابوزيد الطبيب الوحيد في المركز طبيب عمومي في معسكر دائم في الدار، قال هناك امراض مزمنة وامراض نفسية بسبب الدوافع التي اتت بهم الى الدار حيث طرد بعضهم من قبل اسرته وآخرون بسبب مشاكل اسرية والبعض اتى به ابنه مثلا بسبب تضجر زوجته منه وهكذا .
ويقول الطبيب انه يحتاج الى امداد دائم للكهرباء للمحافظه على الادوية التي تخص المرضى ويتمنى لو يتبرع احد الخيرين بمولد كهربائي للدار .
النواب
تفاعل نواب البرلمان مع القضية ووعد د. الريح محمود رئيس اللجنة الاجتماعية بالبرلمان بمتابعة اوضاع المسنين مع الجهات ذات الصلة ووزارات الصحة والشئون الاجتماعية، وقال العضو محمد آدم حسين ان الظاهرة خطيرة ودخيلة على المجتمع السوداني وطالب بتعديل قانون الاسرة لضمان حقوق المسنين حتى الممات، ورأت العضوة عازة حسن بعدم تشجيع الشباب على اللجوء إلى مثل هذه الممارسات مع كبارهم، وشدد العضو طه حسن تاج الدين على ضرورة متابعة اوضاعهم متابعة دقيقة.
رصد: رقية الزاكي :الراي العام