رأي ومقالات

هشام الشواني: بعيد عن الأحداث وقريب منها


أكملت ٣٢ عاما قبل أسابيع. لا ينفصل دورك في الحياة عن الزمن، والزمن قبل أن يكون أرقاما هو معنى ثقافي واجتماعي. ٣٢ عاما هذه قبل ستين عاما من الآن هي عمر متقدم لأشخاص عرفوا طريقهم في الحياة، وكونوا أسرة. فإذا كانوا سياسيين لرأيتهم قادة أحزاب، ولو كانوا أكاديميين لرأيتهم أصحاب شهادات عليا، ولو كانوا في الريف فهذا عمر الزواج من المرأة الثانية!!
اليوم ٣٢ عاما هو عمر يظنه البعض شبابا، وهو إلى الكهولة أقرب. فالنضج صار يدرك متأخرا، والإنسان صار لعوبا ومرحا وخفيفا؛ مثل صديقنا ذلك الخمسيني الذي يقضي جل يومه على تطبيق (تكتوك)، يشاهد الرقصات البلهاء المثيرة. الآن التجارب معقدة، والحياة أصعب بكثير من قبل ستين عاما، وبالطبع فقد صار متوسط حياة الإنسان أعلى، ولكنها حياة أقل جودة وأقل إنسانية.
الزواج والطلاق مقياسان موضوعيان لما يعتري المجتمع من تحولات، والنزعة الفردية الطاغية شرط معاصر لا مفر منه، وتحلل القيم وتفكك المعايير شرط واقعي لا ينكره أحد. في عالم كهذا مليء بالتفاوتات تبدو الحياة كمشي على خط من النار؛ سواء عرفنا ذلك أو لم نعرف. الحياة الزوجية صارت معقدة وصعبة حتى في حميميتها الخاصة، فنجدها تفقد معناها بالذات في المدينة والطبقة الوسطى والمتعلمين، فالريف لا يزال في حميميته الجامحة، وفي تواصله الإنساني بعيدا عن الصوابية السياسية، ويفقد ذلك كل يوم مع تمدد شبكة الانترنت الحتمي. في المدينة والطبقة الوسطى سموم العصر من أفكار تفرض نفسها كثقافة رسمية تقتل الحياة؛ النسوية مثلا رغم جذورها التي بدأت كمحاولة استجابة للتحول الصناعي وبزوغ (النوع/الفرد). لكننا نجدها اليوم قد سممت الحياة الزوجية، وفرضت معايير منافقة وغبية، نوع من تهذيب يخفي قصص نفوس إنسانية معذبة لا تجد راحتها وتبتعد عن طبيعتها يوما بعد يوم. هذه الأفكار لا تقدم نفسها فكريا بل تقدم نفسها عبر مفهوم للقوة، للصوابية، لما هو لائق وجدير بالاتباع. تفرض نفسها كشروط عولمية تعمم على الجميع. الرغبة تحولت لرغبة في اللانهائي، اللامكتمل، اللامستقر. رغبة في استهلاك لا نهائي لكل شيء بمافي ذلك العلاقات الحميمية؛ وهنا فقدت الأسرة العادية مكانتها لصالح رجال مضطربين ونسوة متوترات غريبات الأطوار. فنرى رجال ونساء يحلمون بالحياة في مكان آخر لا ينال، وضاع الرضى مع ضياع القناعة. هذه ظواهر نعيش معها يوما بيوم.
هذا التحول أفرز إشكالات تربوية وثقافية واجتماعية وحضارية، والسؤال القديم الذي طرح منذ أكثر من مئة سنة لا يزال بلا إجابة:
كيف نقتحم الحداثة؟
فنحن كائنات حداثية بلا أصالة ولا جذور، والهروب للمحلية رجعية في بعض الأحيان، والتقدم الليبرالي همجية بربرية. سؤالنا التاريخي هو كيف ندخل الحداثة؟ وكيف نؤسسها وفق الجذور والأصول عبر استعادة مبدعة حية غير مقلدة؟
دعوني أذكر لكم الإجابات الخاطئة:
١- الغربيون فينا وعبيد الخواجات مخطئون، ذلك الناشط وتلك الناشطة ممن ملأت روحهم حياة الغرب وقيمه سواء كانوا هنا أو هناك لا يهم؛ هؤلاء مخطئون تماما؛ لذا فكل موقف سياسي أو ثقافي يقوم على هؤلاء لا يعول عليه.
٢- المقلدون منا عبيد الماضي مخطئون. من يبحثون عن زمن يرجع للوراء نقول لهم هذا غير ممكن؛ وكونه غير ممكن فهو بالضرورة خاطئ. هذه بداهة.
ما هي الإجابة الصحيحة إذن؟
للأسف الإجابة ليست سهلة، فالإجابة هنا لن تهبط من السماء، من سماء الفكر وسماء التجريد. الإجابة تتولد من حركة التاريخ، ومن الاستجابات الأصيلة والصادقة والمبدعة. الإجابة لها ملامح بدأت في التشكل؛ فنحن نحتاج دولة قوية، وقومية راسخة بجذورنا الدينية وعلى زمننا الثقافي، نحتاج تصنيع اقتصادي وثورة زراعية تخلخل علاقات الملكية وتحررنا من علاقات التبعية. وهنا سينبثق الفرد الجديد المتخلق والحديث.
إن حياتنا الفانية تبدو ضئيلة أمام حركة التاريخ، لذا فإن كل رضوخ للهيمنة والصوابية وما تقوله الجموع الغبية هو نكوص للوراء وخيانة للتقدم.
و السلام عليكم ورحمة الله

هشام الشواني