رأي ومقالات

هشام الشواني يكتب: عن يوم 13 نوفمبر 2021


الشارع العام تكيف تماما مع أيام المواكب هذه، ترقب مثير ليوم غير عادي يتكسر فيه اليومي الممل الرتيب لبقية أيام الأسبوع. الجميع يشاهد من وراء الشاشات في البيوت والمقاهي حدث اليوم، وأبطال الحدث هم: مجموعات من الشباب السوداني والشابات، الذين يتحدثون عن الخروج في الثورة والمقاومة. أبطال بمعنى درامي ومسرحي وليس أي شيء آخر!

تتسارع خطى مجموعات من الشباب الذي يهتف ويصرخ خارجا للشوارع، وقليلا قليلا يصبح العشرات مئات حتى الوصول لنقطة بضعة آلاف في المحطة الأخيرة. الملامح الأساسية للخروج هي تلك الحالة الكرنفالية النازعة للرقص، الخروج في المواكب يدفع ويحرك رغبة خفية في الرقص والخفة، وما أثار انتباهي حقا هو حركة جديدة لا هي بالركض ولا هي بالمشي ولا هي بالهرولة، حين تتأمل فيها تكتشف فجأة أنها: رقصة على إيقاع تتحرك معه الأجساد للأمام فتبدو كأنها تمشي.

يراهن الكثيرون على أن هذه الحالة هي حالة مليئة بالخير والمحبة والمثالية ولكني أشعر تجاهها اليوم بكثير من الريبة، أرى كمية القمع الفكري الرهيب والإقصاء الكامن وراء هذه الاحتشادات والمواكب، ثم الأمر الأكثر حيرة هو ذلك الغضب الظاهري، الغبينة الظاهرية التي لا تجد لها أثرا عميقا؛ فالموكب في عمومه مرح ومبهج وخفيف.

ينتهي الحدث بنهاية اليوم ويعود الناس لبيوتهم، ومع ذلك فالسياسة اليوم وبكل عبثها السخيف لكنها تنطوي على مآسي خطيرة، تتبدد فيها أرواح وتزهق فيها نفوس، ليتحول هذا الأمر رصيدا يغذي يوم كرنفالي آخر. الحقيقة أن أعداد اليوم مع نسبة تضخيم كبيرة تحسبا للانحياز قد تصل حتى ١٦ الف متظاهر؛ وهذه نسبة (2.%) من سكان الخرطوم حال افترضنا أنهم ثمانية ملايين. بمعنى أنه من كل مئة شخص في الولاية خرج خمس من جسد واحد ليتركب مع أخماس أخرى من أجساد أخرى فيتكون الموكب!!

هذه نسبة فعالة غير قليلة بمقاييس الفعل السياسي، وبحسب التحليل للانقسام السياسي والاجتماعي والطبقي الذي تحدثنا عنه؛فالذين خرجوا اليوم هم: عضوية أو كوادر أو ناخبون محتملون لقوى الحرية والتغيير حال نزلت في انتخابات كحلف متحد غير منقسم. هذا العدد جيد بمقاييس الفعل السياسي وضعيف كوزن انتخابي. وعموما وجود فاعلين شباب يخرجون للشارع قد يكون مؤشرا لرغبة في الإنتماء السياسي لبرنامج حزبي أو آيدلوجي؛ وبذلك سيكون للبناء الحزبي الضروري معنى وأهمية.

لابد من عودة السياسة من جديد، وعودة الانتماءات من جديد، وهذا شرط مهم لمقاومة السيولة الراقصة الفارغة التي تمارس اليوم باسم المقاومة والثورة. لذا فإن التنافس الحزبي على التأثير المباشر في هذه الكتل الشابة أمر جيد، والتنافس السياسي والفكري للتأثير في ملايين الصامتين والمبعدين من المواكب والشوارع أمر جيد ومهم. وهذا بالضبط جوهر العملية السياسية الوطنية المسؤولة بعيدا عن المزايدة الأخلاقية الكاذبة التي يردها بعض صناع الرأي الأكثر سخافة.

هشام الشواني