تحقيقات وتقارير

في جمعة الغضب .. مساجد تصلي الغائب .. ومواكب تشيع الشهداء!!


بدا يوم الاربعاء الماضي يوماً أليماً في السودان حيث انهمرت الدموع في المآقي واعتصرت القلوب ألماً لفقدان اعزاء في ريعان شبابهم بسبب البطش والقمع الذي واجهت به السلطات الانقلابية موكب 17 نوفمبر المطالب بعودة الحكم المدني.
أمس الجمعة خرجت جموع السودانيين في مواكب مهيبة لتشييع الشهداء ، تقدمهم موكب مدينة بحري المكلومة التي سقط فيها 13 عشرة شهيداً وذلك بمقابر شمبات يليه موكب ودنوباوي بأمدرمان تلك التي شكل شبابها لوحة زاهية للصمود والشجاعة والاستبسال ليلحق بالشهيد عبدالعظيم شهداء أخر حاملين رايته ومجسدين معنى التضحية من اجل الوطن.

شهدت مساجد الخرطوم أمس الجمعة صلاة الغائب على ارواح شهداء مجزرة 17 نوفمبر ، وتوحد الدعاء في مساجد بحري الشعبية ومسجد التقوى جنوب شمبات ومسجد السيد عبدالرحمن بودنوباوي ومآذن اخرى لا تعد رفعت النداء في الخرطوم والولايات وجميعها دعت الله أن يتقبلهم في رحمته ويقتص من القتلة فهو الذي يمهل ولا يهمل..!!

أعظم جرم
وفي السياق تطابقت معظم خطب الجمعة بالأمس وأدان الأئمة قتل المتظاهرين مستدلين بالآيات القرآنية التي حرمت قتل المسلم لأخيه المسلم، ودعى الخطباء إلى الحكمة وتحكيم العقل، وإتخاذ سبل أخرى لمواجهة ومخاطبة الشباب في الاحتجاجات . قال أمام احد المساجد إن هناك ثلاث مواقف يجب أن تكون ضد الجرائم والقتل الذي يحدث واول وقفة هي (إيّاك أن تنصر الظّالم ولو بكلمةٍ..) وان لا تبرر للقاتل والقتل، وان تتبرأ من القاتل كما تبرأ منه الرسول صلى الله عليه وسلم لان أعظم جرم عند الله بعد الشرك به هو القتل للنفس البشرية.

توثيق الأحداث
وفي سياق ذي صلة أحداث الجمعة توالت عاصفة في كل المساجد، متداعية لما حدث يوم 17نوفمبر من قتل مباشر للثوار حيث تم توثيق ذلك عبر الفيديوهات.. بحري المكومة تحولت إلى سرداق كبير… 7 شهداء في شارع واحد بحسب ناشطين، بحري حي الشعبية عاشت يوماً مرعباً فالمظاهرات والاحتجاجات كالسيل لا تتوقف والتتريس يجري من المكان العالي.. تحرك الموكب الرئيس من مسجد الشعبية متجهاً الى منزل الشهيد الأستاذ لؤي تاج السر ..الكل يرتدي جلباباً أبيضاً كما كفن الشهيد ويحمل علم السودان مثل وشاحه وقلبه يتقطر دماً كما خضبت دماؤه أرض الوطن ..أحد الناشطين أفاد (الجريدة) أن بعض الثوار ذهبوا الى المقابر وحفروا قبورهم ايذانا لا ستعدادهم لخوض المعركة حتى النهاية.

ام درمان تنتفض
في ام درمان امس خرج المصلون من المساجد في مواكب غاضبة بعد صلاة الجمعة خاصة مسجد السيد عبدالرحمن الهجرة بودنوباوي حيث اعتاد ثوار الأنصار الخروج والهتاف بالقصاص للشهداء وبعودة المدنية ..ليقوم الثوار يتشييد المتاريس في كل شوارع ام درمان القديمة احتجاجاً على قتل الشهداء…!!

تشابه التبرير
يقول استاذ القانون بجامعة النيلين رفض ذكر اسمه معلقاً عن أحداث القتل في المواكب التي انتظمت البلاد بعد قرارات الخامس والعشرين إن الاصابات واضحة مباشرة في وقاتلة وكذلك موثقة بالصور والفيديوهات ، وأضاف ما حدث في موكب 17نوفمبر هو الاعنف حتى الآن ، وان الحديث عن قتيل واحد (سقط من سقالة) كما ورد في بيان السلطات الأمنية لا يقل معناه عن ذاك الادعاء الفاضح الذي انكشف لاحقاً بأن الشهيد أحمد الخير قضى نحبه بوجبة (فول بايت).. وأن الشهيد الدكتور بابكر قتل برصاصة أطلقتها عليه فتاة تخبئ بندقيتها في شنطة يدها.. وزاد تعددت المبررات غير المنطقية ولكن النتيجة هي ان القتل واحد ، واشار الى الآية التي تقول (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيماً) .

قلق أممي لقتل المتظاهرين ..وحمدوك رهان الحل!!

قلق دولي واسع من التعامل الفظ والعار الذي درجت على استخدامه السلطات في مواجهة المتظاهرين منذ 25 اكتوبر بعد الاعلان عن الطورئ والاجراءات الاستثنائية ، وازدات وتيرة القلق والرفض الدولي بعد ارتفاع عدد الشهداء في اعقاب مليونية الاربعاء الماضي والتي سقط فيها 15 شهيداً.
و قالت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليت، الخميس الماضي، إن 39 شخصا على الأقل قتلتهم قوات الأمن السودانية منذ “الانقلاب العسكري” في 25 أكتوبر الماضي.وذكرت باشليت، في بيان، “ندين مقتل ما لا يقل عن 39 شخصا على يد قوات الأمن في السودان منذ الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر”.وأوضحت أن “بين هؤلاء قتل 15 شخصا بالرصاص الأربعاء خلال الاحتجاجات التي اندلعت في الخرطوم، والخرطوم بحري، وأم درمان.
وأضافت باشليت: “بعد مناشداتنا المتكررة للسلطات العسكرية والأمنية بالامتناع عن استخدام القوة غير الضرورية وغير المتناسبة ضد المتظاهرين، من المخزي تماما استخدام الذخيرة الحية مرة أخرى أمس ضد المتظاهرين”.واعتبرت أن “إطلاق النار على حشود كبيرة من المتظاهرين العزل يرقى إلى الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان”.وأشارت المفوضة الأممية إلى أنه “بحسب مصادر طبية موثوقة، أصيب أكثر من 100 شخص خلال احتجاجات أمس، بينهم 80 أصيبوا بعيارات نارية في أعلى أجسادهم ورؤوسهم

بلنكين على الخط
ووصف مسؤول كبير يرافق وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن في جولته الأفريقية الوضع في السودان بأنه في لحظة حرجة.وعبر المسؤول عن شعور إيجابي نوعاً ما “بشأن المحادثات الأخيرة التي أجرتها مساعدة وزيرة الخارجية الأميركية للشؤون الأفريقية مولي في بالخرطوم”.وذكر المسؤول الكبير الذي فضل عدم الكشف عن اسمه أن قادة الجيش تحولوا في كلامهم عن حمدوك من أنه “رئيس الوزراء السابق ونرفض مناقشته وفشلت حكومته ونريد السير قدماً” إلى القول “ليس لديهم أي اعتراض على عودته”. لكنه استطرد “نريد أن نرى ولا نأخذ هذا الكلام كشيء مسلم به.وأوضح أن المسؤولة الأميركية سمعت من الجميع رغبة في إنشاء المجلس التشريعي وفي تعديل الإعلان الدستوري للعام 2019.

وأشار إلى أن المدنيين منفتحون على الحديث مع الجنرالات حول المحاسبة التي كانت الدافع للإطاحة بحكومة حمدوك وتحديد مسار للعدالة الانتقالية.ونقل أيضاً عن مساعدة وزيرة الخارجية أنها سمعت من المدنيين كلاماً يشير إلى أنهم لا يريدون العودة إلى الجمود الذي كان قائماً قبل 24 أكتوبر وأنهم مستعدون لإجراء تعديلات.وتابع إن “المهم بالنسبة لنا هو العودة إلى الانتقال الديمقراطي”.وحدد المسؤول الأميركي مشاكل إضافية بحاجة للمعالجة في السودان وهي دور الجيش السوداني في الاقتصاد إضافة إلى تعدد القوات والأجهزة العسكرية.وأضاف أن “المدنيين فخورون جداً بالمرحلة الانتقالية. حتى أن العسكريين يدّعون أنهم مهتمون باستعادة المرحلة الانتقالية”.وأعرب المسؤول الأميركي عن اعتقاده “بأن هناك شعوراً بأنه يمكننا استخدام الأدوات الاقتصادية التي حشدها المجتمع الدولي لمساعدة السودان على النجاح في هذا الانتقال من أجل الضغط على الحكومة“.

تهديد أوروبي
الى ذلك هدد مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل بـ “عواقب شديدة، من بينها وقف الدعم المالي”، إذا لم تقم السلطات العسكرية في السودان بالعودة إلى النظام الدستوري فورا، وفق تعبيره.وندد بوريل بقتل المتظاهرين في السودان، وقال إنه أمر “غير مقبول”، كما أعرب عن قلقه بشأن أنباء عن اعتقال جرحى من داخل المستشفيات ومنع تلقي العلاج.ورأى المسؤول الأوروبي أن الطريق الوحيد للخروج من الأزمة في السودان هو حوار شامل للوصول إلى خريطة طريق لحل مشاكل البلاد.

وكان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ندد بمقتل متظاهرين سودانيين، وقال -خلال مؤتمر صحفي في العاصمة النيجيرية أبوجا إحدى محطات جولته الأفريقية-إن “الجيش يجب أن يحترم حقوق المدنيين في التجمع سلميا والتعبير عن آرائهم”.وأضاف بلينكن أنه “قلق جدا” بشأن أعمال العنف التي وقعت الأربعاء، وأكد أن واشنطن تواصل “دعم مطلب الشعب السوداني بإعادة السلطة الانتقالية التي يقودها مدنيون”.
وقال الناشط بقوى المجتمع المدني بشرى الصائم لـ(الجريدة) إنه مهما تعددت الخيارات فإن الأمل الوحيد لانقشاع الأزمة هو عودة حمدوك لرئاسة مجلس الوزراء وكشف عن مساعي من قبل شخصيات وطنية وسياسية كادت ان تصل الى تقريب الشقة بين الطرفين بيد أن الامر متوقف على اطلاق البرهان للمعتقلين السياسيين ، وأردف حمدوك هو الشخص الوحيد المقبول داخلياً وخارجياً ويستطيع اعادة الأمور إلى نصابها.

تقرير :عيسي جديد – فدوى خزرجي
صحيفة الجريدة