تحقيقات وتقارير

أزمة السودان .. سيناريوهات التمدد الإقليمى والانكماش الأمريكى

قالت صحيفة فورن بولسى الأمريكية إن قادة السودان المتحاربين اعتمدوا قبل خمسة عشر عاماً على الولايات المتحدة للمساعدة في إنهاء الحرب الأهلية الطويلة، باعتبارها القوة العظمى التي لا منازع لها. أما اليوم فهي مجرد واحد من اللاعبين الدبلوماسيين ممن يحاولون حل أكبر أزمة سياسية تمر على البلاد منذ عقود، وأضافت؛ بعد أسابيع من سيطرة الفريق أول عبد الفتاح البرهان على السلطة وعزله الحكومة الانتقالية كانت واشنطن على الهامش، حيث انحرف نظرها إلى إثيوبيا التي تواجه خطر التفكك والتنافس مع اللاعبين الإقليميين مما جعلها منقسمة على نفسها بشأن الطريقة الواجب التعامل فيها مع الأزمة السودانية والرد على الجنرالات. .

تعقيد أمريكى
وكشفت الصحيفة عن خلافات حادة داخل إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن حول أزمة السودان. وقالت الصحيفة : وقعت اشتباكات حادة بين اثنين من كبار المسؤولين في إدارة بايدن المسؤولين عن الإشراف على السودان، تمحورت حول فرض عقوبات بشكل حاد على الجنرالات فى الخرطوم، لافتة إلى أن الانشقاق عقد الجهود الدبلوماسية الأمريكية لمعالجة الأزمة التى امتدت الى شهور، وأبانت الصحيفة بأن الصدع الداخلي وقع بين كل من جيفري فيلتمان، مبعوث الولايات المتحدة للقرن الأفريقي الذي يفضل معاقبة الجنرالات فى الخرطوم، ضد مولي فيي مساعد وزير الخارجية الأمريكى للشؤون الأفريقية التى تفضل اتباع نهجٍ أكثر تصالحية مع القادة العسكريين السودانيين، وأضافت بأن مسؤولين حاليين وسابقين فى الإدارة الأمريكية أكدوا أنه خلال زيارة فيي الأخيرة إلى الخرطوم، رفضت فيي عرض فيلتمان أن يكون نائبه مرافقها في لقائها مع القادة العسكريين السودانيين.

انقسام داخلى
ووفقاً للصحيفة فإن المخاوف الأمريكية من تكرار سيناريو تفكك إثيوبيا المجاورة، والتنافس على النفوذ مع عدد من اللاعبين الإقليميين، والانقسام الداخلى بشأن كيفية الرد على الجنرالات في السودان عرقل الجهود الدبلوماسية الأمريكية خلال الأسابيع التي تلت سيطرة الرئيس السوداني العسكري، الجنرال عبد الفتاح البرهان، على الحكومة الانتقالية في السودان.

ولفتت الصحيفة إلى أنه ووفقاً لمصدر دبلوماسى رفيع فقد تم حل الخلاف بين فليتمان وفيى عقب توقيع الجيش مؤخراً على اتفاق يقضى بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وإعادة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، كاشفاً بأن النظر فى العقوبات تم تأجيله لحين التأكد من إكمال هياكل السلطة الانتقالية،
فيما قلل مسؤول كبير في وزارة الخارجية من حدة النزاع، مشيراً إلى أن فيلتمان وفيي يعرفان بعضهما لسنوات، وأن احتراماً عميقاً يربط بينهما مؤكداً بأن مقترح فيي تولي ملف السودان جاء لكون أنها شغلت منصب سفير لجنوب السودان، و مؤخراً منصب مساعد وزير الخارجية للشؤون الأفريقية إضافة لانشغال فيلتمان وفريقه مع أزمة إقليمية كبرى في إثيوبيا.
مشيرة إلى أنه إذا كانت هناك أي قوة خارجية يمكن أن تساعد السودان فى رسم الطريق إلى الديمقراطية، فإنها ستكون الولايات المتحدة.

تنافس إقليمي

ولفتت الصحيفة لتراجع دور الولايات المتحدة الأمريكية فى الأزمة السودانية إلى تأثير اللاعبين الإقليميين فى الأزمة السودانية، وقالت الصحيفة إن الأزمة السودانية الأخيرة أثبتت تراجع الدور الأمريكى فى السودان؛ بسبب قيادة جهودها الدبلوماسية عبر حلفائها الإقليميين فى المنطقة، وأضافت بأن أمريكا التى قادت جهود اتفاقية السلام الشامل الذي أدى إلى ميلاد دولة جنوب السودان أصبحت تدير جهودها الدبلوماسية فى الخرطوم عبر حلفائها الإقليميين، لافتة إلى الأدوار المفصلية التى لعبتها كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر واسرائيل فى الأزمة السودانية، وأضافت بأن الافتقار إلى سياسة أمريكية متماسكة غذت شعوراً بالانجراف الدبلوماسي الأمريكي، مما سمح للسلطات الإقليمية الأخرى لملء الفراغ، لافتة إلى أن سياسة إدارة الرئيس جو بايدن اتخذت ذات سياسة الرئيس السابق دولاند ترامب، والتى تقوم إلى حد كبير بتوكيل سياستها الخارجية فى السودان لحلفائها الإقليميين من الباطن.

سلسة انتكاسات

وأضافت، بالرغم من أن الولايات المتحدة لا تزال القوة العظمى إلا أنها عانت من سلسلة من الانتكاسات الأخيرة في السودان. إذ أظهر جنرالات السودان اهتماماً ضئيلاً لمبعوثى الولايات المتحدة، حيث شنوا انقلاباً في غضون ساعات من اجتماع المبعوث الأمريكي للقرن الأفريقي جفيرى فلتمان مع رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان أعقبه قمع القوات النظامية لتظاهرات خرجت عقب مغادرة مساعدة وزير الخارجية للشؤون الأفريقية مولى فيي البلاد، بعد يوم واحد كما أنه لم تتم استشارة واشنطن عندما تم الإعلان عن قبول رئيس الوزراء عبد الله حمدوك الصفقة وإعادته الى منصبه رئيساً لمجلس الوزراء.

توجه تاريخى
وقال روبرت زوليك، الذي كان مساعداً لوزير الخارجية وقاد الجهود الأمريكية للتأكد من تطبيق اتفاقية السلام الشامل الموقعة في 2005، إن الدول التي تحاول التأثير على الخرطوم كانت دائماً موجودة، والتحدي هو العثور على طرق لتنسيق الشبكة الضخمة من اللاعبين الدبلوماسيين والأمنيين وخبراء التنمية. وقال إن الدبلوماسية مع السودانيين كانت تشرك دائماً الكثير من الجيران ممن لديهم أجندات متعددة وصعبة، وأضاف أن الخرطوم من الناحية التاريخية تتجه إلى الشمال على طول النيل وحتى مصر، وقوة تأثير الثقافة العربية. وهذا نابع من العلاقات المصرية، العثمانية والاستعمار البريطانى .

شبكة دولية
ووفقاً للصحيفة أن ما زاد من الغموض الطريقة التي تعمل فيها الدبلوماسية الأمريكية، ومن لديه سلطة القرار إذ أضعف العدد الكبير من المبعوثين الخاصين تأثير الدبلوماسيين. وباعتباره الرجل الثاني في الخارجية، كان زوليك قادراً على التعامل مع بيروقراطية دبلوماسية واسعة يمكنها التنسيق مع اللاعبين الرئيسيين بمن فيهم الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي ومصر وتركيا واستدعاء موارد من البنك الدولي وبنوك التنمية الإقليمية. وقال زوليك للصحيفة؛ يحب الناشطون فكرة المبعوث الخاص لأنها تعطي صورة عن مصلحة عليا غير أن المبعوثين الخاصين لا يملكون في العادة المدى الدبلوماسي والوزن للعمل مع عدة دول وقضايا. مضيفاً بأن الطرف الذي يدفع السياسة السودانية في الإدارة الحالية هو مجلس الأمن القومي.

ترجمة : إنصاف العوض
صحيفة اليوم التالي