عن نية مجموعة دال شراء حصة شركة زين السودان
علينا أن نعيد التفكير في بناء و توسعة الشركات الحكومية .
على ضوء خبر الصباح عن نية ( Invictus ) التابعة لمجموعة دال شراء حصة شركة زين السودان أشار الصديق حسن صابر لمأزق كوريا الجنوبية ( الدولة) أمام إستحواذ سامسونج ( الشركة ) كنموذج على ما يقرب 60٪ من حجم الحركة المالية داخل البلاد ، نعم شبح الدولة في كوريا يقوم على القطاع الخاص و بالتالي يتحكم الأخير في سياسات الحكومة و العملية السياسية .
إذا كبست زر البحث ستجد بالطبع إحتفاءا كبيرا بالإقتصاد الكوري الجنوبي و فق مؤشرات الإقتصاد الأكاديمي ( الليبرالي ) كالناتج المحلي الإجمالي و القدرة الشرائية.. الخ ، لكن و من خلال نقطتين لا يعتبر النموذج الكوري مثالا لنا عند الحديث عن تنمية ( فعلية) :
الأولى / من حيث المعايير التي علينا إتباعها و هي لا تقتصر علي مؤشرات الإقتصاد البحت التي تتعامل بها المؤسسات الإقتصادية الدولية ، لأن مقاييسنا يجب أن تحوي على ما يتعلق بما هو إجتماعي مثل العدالة الإجتماعية و معيار سياسي متعلق بقوة الدولة و إستقلال قرارها بل و للمفارقة قوة ” الديمقراطية ” أمام رأس المال الخاص .
الثانية / متعلقة بإختلاف السياق و البيئة المحيطة المختلفة بين كوريا و نحن كجمهوريات شرق إفريقيا .
ما ينطبق على كوريا الجنوبية ينطبق على معظم الدول الشبيهة .
ماذا عن الجارة إثيوبيا ؟
أعتقد أن التجربة الإثيوبية قدمت نموذجا تنمويا مختلفا يوجب التمحيص و الدراسة ، حيث قادت فيه الدولة و عبر الشركات الحكومية المحتكرة عمليات إزدهار كبيرة للشعب الإثيوبي .
مثل الخماسي الحكومي الإستراتيجي رافعة تنموية كبيرة و هي شركات :
* إثيو تيليكوم و هي شركة الإتصالات الحكومية الإثيوبية و التي تقدم خدمات الإنترنت و الهاتف و تحتكر جميع خدمات الإتصالات في البلاد ، تخيل معي حجم العائد علي إيرادات الدولة من إحتكار خدمة الاتصالات لمائة مليون إثيوبي ،
* الخطوط الجوية الإثيوبية و هي الناقل الوطني الإثيوبي و أفضل شركة طيران مدني في إفريقيا ، تأمل معي كيف تم تدمير سودانير الناقل الوطني السوداني لصالح إزدهار شركات خاصة مثل بدر للطيران و تاركو .
* خطوط الشحن الإثيوبية و هي الشركة المحتكرة لمجال الشحن البحري في البلاد ،
* البنك التجاري الإثيوبي ، و هو بنك تجاري مملوك للحكومة الإثيوبية .
* شركة التأمين .
الموظفون في إثيو تيليكوم يبلغ عددهم قرابة 15 الف موظف ، عدد فروع البنك التجاري أكثر من 1000 فرع بعدد يفوق 20 الف موظف ، الشركات المذكورة و التي تحتكر أربعة مجالات إسترتيجية للدولة إضافة للبنك التحاري حققت نجاحا كبيرا طيلة العقود منذ تأسيسها و بالتالي عرضت ” المسلمة” الإقتصادية التي يرددها البعض بأن شركات القطاع الخاص مؤهلة بالضرورة للتفوق على الشركات الحكومية للتكذيب .
لأن القصة بإختصار و في الظروف دول تكابد كي تنهض بشعبها يجب أن تتحمل مخاطر المشاريع التنموية الكبيرة ، و هي مهمة يستحيل على القطاع الخاص القيام بها لأن منطق العمل و الغايات مختلف بالضرورة ، و إلا فراقب تجربة مؤسسات النظام المصرفي الخاصة لدينا في السودان ؛ فبرغم إمتلاكها إحتياطات نقدية كبيرة إلا أن عمليات تمويل المشاريع تقتصر علي المشاريع الخدمية و العقارية في الغالب و ليس المجالات الإنتاجية .
لا أدعي أنني أنفي دور القطاع الخاص أو مميزات البيئة التنافسية فيه و النجاحات التي يمكن أن يقدمها ، ما وددت قوله هو أن القطاع الخاص ينبغي أن نضع له شروطا و مجالات للعمل ، إن كان يهدف إلى الربح و الإبتكار و المنافسة فعلى الدولة أن تخلق له ميدانا لذلك بعيدا عن المجالات الإستراتيجية المحتكرة بقصد المصلحة العامة وفق الظرف التي نمر به و وفق الهدف المنشود .
النموذج التنموي المستقل و المحلي من حيث الأهداف فيه تضع الدولة خطتها و إستراتيجياتها و على القطاع الخاص أن يعيد موضعة أهدافه و جدولة أعماله و فق الخطة الموضوعة .
هذا هو النموذج الذي ننشده .
محمد الفاضل