صلاح الدين عووضة

صلاح الدين عووضة يكتب : تحرير!!


من الحرية..

بمعنى أن تتحرر من التبعية لجهة ما – أو فردٍ ما – لتصير حراً… ومحررا..

أو الوقوع تحت قهره… وسطوته… وجبروته..

وموضوع كلمتنا هذه كتبناه من قبل تحت عنوان (نهرٌ أحمر)..

بمناسبة المناسبة هذه نفسها..

وفي مصر ميدانٌ اسمه التحرير… كان مركزاً لثورة حررت المصريين من حسني..

واليوم يصادف – عندنا هنا – ذكرى تحرير الخرطوم..

وهو إنجاز وطني عظيم يُحسب للثورة المهدية..

ولكن يُحسب عليها – في الوقت ذاته – إنه كان إنجازاً ذا تكلفة دينية عظيمة..

فما من مسوغ دنيوي يستحق أن تُسفك بسببه دماء الأبرياء..

ولا أي مسوغ ظاهره الدين – وباطنه من قبله العذاب – في سبيل الدنيا..

والخرطوم يوم تحريرها حدثت فيها ظاهرة عجيبة..

فقد جرى فيها لأول مرة نهر أحمر؛ إلى جانب الآخرين الأبيض والأزرق..

وكلما زاد جريان هذا النهر زاد التكبير والتهليل..

فهي مجزرة تمت باسم الدين… والدين برئ من أي دم (برئ) يُسال..

واستمرت لثلاثة أيام… أنهاها بعد ذلك المهدي..

وخليفته عبد الله هو الذي أمر بها؛ إن صدقت روايتا سلاطين ونعوم شقير..

ثم رواية أسير الخليفة تشارلس نيوفيلد..

وما يجعلنا نميل إلى تصديق مثل هذه الروايات إنها تتّسق مع أفعاله..

تتّسق ما عُرف عن الخليفة طوال فترة حكمه..

فهو قد نكل حتى بأقرب عظماء المهدية إليه حين انفرد بالسلطة… وذاق لذتها..

نكل بالزاكي طمل… وإبراهيم عدلان… وأبي قرجة..

ونكل بالأشراف – من آل المهدي نفسه – ونصب لبعضهم المشانق في السوق..

والقائمة تطول… بطول أنهار عهده الحمراء..

ومنها نهر مجزرة البطاحين الشهيرة بمسالخ – أقصد بمشانق – سوق أم درمان..

وما ذاك إلا من أجل الدنيا؛ لا الدين… رغم راية لا إله إلا الله..

وهو بذلك يمثل امتداداً لتجارب عديدة للحكم باسم الإسلام..

منذ أن ظهرت بدعة الملك العضوض والدماء تُسفك دوماً على محراب الدين..

ومن فظائع المجزرة ذبح أسرٍ بكاملها..

مجزرة لم ينج منها سوى الجميلات… لاتخاذهن أخداناً..

هذا هو الوجه الآخر المظلم لعملية (التحرير)؛ من زاويتي الدين والدنيا..

وفي الحديث (إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق)..

أي الأخلاق (الدنيوية) التي كانت سائدة قبل الرسالة (الدينية)..

ففي مقابل وحشية (التحرير) هذه دعونا ننظر لإنسانية (الفتح) عند كتشنر..

حتى وإن كرهنا هذه الحقيقة لدواعٍ وطنية..

فعند هزيمة الخليفة اُستبيحت أم درمان يوماً واحداً… واحداً فقط..

استباحها الذين سماهم نيوفلد (الجهادية السود)..

وحين علم كتشنر بما جرى أمر بوقف الاستباحة فوراً..

أمر بذلك دون أن تغلب عليه عاطفة الانتقام لمقتل مواطنه غوردون..

فمن الناس من يكون سلوكه دينياً دونما دين..

أو تحرياً للدقة فيما يلي كتشنر المسيحي: أن يكون سلوكه إسلامياً دونما

إسلام..

فحتى عقول الكثيرين من المسلمين تحتاج إلى تحرير..

تحتاج إلى تحريرها من مفاهيم مغلوطة تستعبدها… وإياهم..

وتحريرها من (أسيادٍ) يتحكمون فيها..

بل واستمع كتشنر إلى المتضررين منها… وطالب بتعويضهم كل الذي نُهب منهم..

علماً بأنه ما كان هنالك سفكٌ للدماء… كما حدث أيام التحرير..

أيام اُستبيحت الخرطوم – ثلاثة أيامٍ بلياليها – على وقع هتافات الله أكبر..

فالغاية في الدين لا تبرر وسيلة لا يقرها الدين..

لا تبرر حجة (القتل من أجل التمكين لدين الله) في الأرض..

فزوال الأرض – بل الدنيا كلها – أهون عند الله من قتلٍ في غير حد من حدوده..

إذن فرب الأرض ذاته لا يريد تمكيناً كهذا لدينه في الأرض..

ولو سالت قطرة دمٍ حمراء واحدة من أجله..

لا نهراً أحمر تحرير!!

صحيفة الصيحة


‫3 تعليقات

  1. كلامك لايخلو من تاثير الفكر الاستعمارى فانت تمجد كتشنر وترى ان استباحته للبلاد يوم واحدا شئ جيدا مقارنة بما فعله الخليفة عبد الله والذي ارى ان استدلالك في هذه الحادثة غير موثوق وبالتالى فهى غير صالحة للمقارنة. عموما هي نفسية المثقف السودانى التى تميل الى تمجيد كل ما هو غير سودانى واسقاطه بتماعي مع السياق السودانى.

  2. كنا نحسبك سودانى ابن سودانى من اسمك وحفيدا من احفاد الذين قاتلوا الدخلاء وفى الاصل القديم لماذا اتى غردون ؟وما الذى اتى ب كتشنر ؟ ومن الذى كتب التاريخ الذى جعل المهدى وخليفته ظالمين اسالوا الدماء نهرا وفى المقابل جعل كتشنر قديسا رحيما ؟؟..احبطت الكثير ممن يقرأون لك