رأي ومقالات

الكاميرا خلف ريان

الكاميرا خلف ريان
نسأل الله السلوى وحسن العزاء لوالدي الطفل ريان …
فقط بالأمس انتبهت لقصته التي استمرت لأكثر من ثلاث ايام بلياليها .
بعيدا عن البعد الإنساني في الحدث ، يتضح لنا امكانية تسليط الضوء على نقطة معينة أو حدث عابر يحدث من حولنا بكثرة لكننا للاسف لا ننتبه له ، بسبب ألا أحد سلط عليه ضوء الكاميرات و الإعلام .
اذا قرأنا هذه التغطية بحياد سيتضح لنا أن العالم أصبح مربوطا بسلسلة رقيقة تجعلنا نتفاعل بسطحية مبالغ فيها بأحداث يختارها البعض أو يبرع في تصويرها و صياغتها بإطار انساني يجعل من لا يتفاعل معها شخص مجرد من الإنسانية و من الأحاسيس و المشاعر …
النشر الإعلامي الكثيف للحدث يجعل منا ببغاوات تضع صورة ريان في البروفايلات و القصص و الحالات ، نتفاعل بالحالة حد البكاء و الحزن أو الامتناع عن الأكل . نفعل كل ذلك ، لكننا نعجز أن نعكس أو نسلط الضوء على حالات إنسانية بائسة من حولنا لأطفال جوعى أو مرضى يحتاجون ١% فقط من القوة المادية التي توفرت لإنقاذ ريان . هذه الحالات ربما تخصنا بصورة شخصية مرتبطة بأرحامنا أو مجتمعنا الصغير . يمكن أن يكون ريان هو ابن اختك او خالك او خالتك يمكن أن يكون احد اقاربك أو طفلا فاقدا للسند طريح المستشفى التي لا تبعد عنك سوى خطوات قليلة ، للأسف انت لا تنتبه له لان الآلة الإعلامية التي وجهت على حادثة ريان بعيدة عنه و عنك …
قراءتنا لهذه الحادثة أن العالم أصبح أكثر إنسانية ، لكنه بالمقابل أكثر سطحية، الجميع يلهث خلف الأضواء المسلطة بقوة ، فتضيع الكثير من الأحداث في العتمة من خلفنا .
نحتاج أن نكون أكثر وعيا بالالة الإعلامية الحديثة ، كي نضئ عوالمنا المعتمة و نبرزها لتجد العلاج و الانقاذ في الوقت المناسب، غير ذلك سنظل متلقين و متفاعلين بمعاناة الاخرين ، و الدود ينهش في جراحنا دون أن نعي كيف نسلط الضوء عليها .
يمكن أن تكون هذه الأضواء القوية على حادثة الطفل مصادفة كحال بعض الأحداث ، و يمكن أن تكون مصنوعة لسبب أو لآخر كحال معظم الأحداث . لكن يجب أن نعرف ان الميديا فيها الكثير من الأحداث والأخبار المصنوعة من أجل قيادتك من حلمة اذنك بخيط حريري رفيع لا تراه و لا تحس به إلى أن تصل إلى المكان الذي يريده صانع الحدث فتكون خطوتك القادمة هي بالضبط ما يريده ، ولا مناص من ألا تفعل ذلك ، فإن لم تفعل فأنت غير انساني أو غير متحضر أو خائن ، و في اوضاعنا السودانية فأنت كوز 😅 .
نحتاج إلى وعي كبير كي نتعامل مع هذا السلاح الخطير ، سلاح التكنولوجيا و الإعلام الحديث .
هذا البوست ليس دعوة لعدم التفاعل مع الحالات الانسانية التي تسلط عليها الأضواء بقوة من حولنا ، لكنه حض على قراءة ما خلف الأحداث دائما و ابدا ، دعوة لإلقاء الأسئلة الكثيفة قبل التفاعل . الإنسانية ابدا لا تتجزأ ، لكن مدى الرؤية يختلف من انسان لآخر.
سالم الامين بشير