رأي ومقالاتمدارات

عزمي عبد الرازق: عرض حال تجديد رخصة القيادة في الخرطوم


فجر اليوم وبعد تردد طويل قررت تجديد رخصة القيادة، حملت معي كل ما يتعلق بالأوراق الثبوتية، حتى شهادة حسن السير والسلوك التي حصلت عليها في الروضة، فأنت في هذا البلد، لا تستطيع أن تتخيل ما سيحدث لك إزاء المعاملات الرسمية، عليك أن تحتاط لكل شيء، فتعقيد الإجراءات وتفشي الإحباط سمة المرحلة عموماً، كانت الشوارع ميتة، وخالية من المارة تقريباً، رجل وهن منه العظم في خدمة البلد يمشي وحيداً بمحاذاة مستشفى الحوادث، سيارة الإسعاف تحاول جاهدة تجنب المزالق الثورية، ستات الشاي على الأرصفة أقل مما كن في الماضي، ثمة طائرة على وشك الإقلاع، تنبئ بأن مطار الخرطوم لا زال يعمل!
على مقربة من نفق عفراء صادتني دورية المرور، الشرطي بملامح متجهمة طلب مني التجنيب وسألني عن أوراق السيارة. سلمته كل ما بحوزتي وتجنبت النظر اليه، قال لي: رخصتك منتهية يا أستاذ، عليك مخالفة عشرة ألاف جنيه. قلت له: صحيح وأنا الأن في طريقي لتجديد الرخصة، رد على في الحال ” كلكم لمن تتزنقوا بتقولوا كده، الرخصة منتهية من زمن”، حاولت اقناعه أنني بالفعل في طريقي للمجمع، وهو على بعد صيحة مما نقف، لم يكترث لتبريري وأصر على قطع الإيصال، قلت له لا أملك غير رسوم الرخصة فما الحل؟ رد بنفس العبارة التي يرددها الشارع واتخذتها الحكومة طريقة ” الحل في الب..” وصلت المجمع عند السادسة صباحاً، السودان كله موجود هناك تقريباً، من كل سحنة زول، معظمهم يسعى لاستخراج الجواز أو تجديده، سمه وثيقة الهروب الرسمية، وتلك معركة أخرى.
بدأت الإجراءات بصورة معقدة ورتيبة، ثمة مجال للوساطات، أو خدمات خاصة، لأن الذين يهبطون من الفارهات أو يستخدمون الهواتف كانوا يعبروننا بخفة، نحن فقط من نزحف، فمن لا ” ظهر” له يزحف على بطنه، سبعة نوافذ وقفت عليها لاستكمال إجراءات تجديد رخصة، مجرد تجديد! كل نافذة تقوم بمهمة لا حاجة لها، وقد تنفد المواد أيضاً في أي لحظة، أخذت صورة للجواز من صف ماكينة التصوير دون حاجة لها أيضاً، عندما وقفت أمام نافذة الخزينة لدفع الرسوم طشت الشبكة، أنا لا أعرف لماذا تطش الشبكة في مجمعات خدمات الجمهور؟ ايصال “15” الإلكتروني تضمن كذلك “200” جنيه دعم طلاب و”400″ دمغة ايصال، بحثت في قوقل عن كلمة دمغة، فوجدتها ضريبة تفرضها الدولة على أنواع معينة من المعاملات التي تتضمنها وثائق مكتوبة، وتتخذ عادة طابعًا بقيمة معينة يلصق على الوثيقة، بحثت عن الطابع فلم أجده! لم ينته الأمر هنا، فقد طلبوا مني الذهاب إلى نافذ تسديد رسوم أخرى اسمها رسوم بنك فيصل، ” 650″ جنيه، بخلاف رسوم التجديد ” 8″ ألاف تدفع نقداً، نعم رسوم بنك فيصل لك أن تصدق أو لا تصدق. سألت عن هذه الرسوم فلم أجد إجابة مقنعة، لفحني مكيف الهواء بنفحة باردة ثم تحور كالفايروس إلى فحيح حار بعد ذلك، قالت لي موظفة الحسابات لماذا انت حزين؟ رمقتها بنظرة عابسة وأشحت بوجهي عنها، ومع كل ذلك لم يخيبوا ظني، فقد أخبروني أن استلام الرخصة يوم الإثنين المقبل، وربما تكون هنالك زيادات هائلة في الرسوم وأسعار الخدمات الحكومية، كما رشح من معلومات، الوحيد الذي احتفظ بسعره ولا يرغب فيه أحد هو الإنسان السوداني المعاصر .
عزمي عبد الرازق


‫3 تعليقات

  1. هذا حال اجهزة الحكومة في بلادنا كلها ، تعمل جميعها في تخبط تام عبر انظمة وترتيبات عمل غاية في الغباء تعكس حال عقول مسؤوليها التي يعلوها الصدأ ، والمحصلة النهائية لعملهم هذا هو حال بلادنا الان.

  2. المواطن السودانى بين مطرقة الحكم العسكرى المتعنصر لفئاته والمميز لها وسندان حكومة المدنيين العميلة الفاشلة الهزيلة .
    في مجمع خدمات الجمهور ١٠ أيام نلف في دائرة مفرغة لاستخراج جواز كل عسكرى في مكان ادخال البيانات اشوتك كالكرة الى جهة أخرى بعد أن تقف في صف طويل ، يأتى ضباط عسكريين ويتم ادخالهم بالداخل وتقديم خدمة سريعة لهم وكأن الآخرين في الصفوف ليسوا مواطنين في هذه الدولة مع أن العسكرية هي ايضا وظيفة في الدولة كالوظائف الاخرى وكل يؤدى دوره ، الا أنه أصبح هناك تمييز للعسكريين ولمن يأتى معه للوساطة . فاصبحنا بين مطرقة المدنية الفاشلة والعسكرية الظالمة بعنصرية الوظيفة .
    ده عسكرى مشو وده مواطن خليوه اقيف سنة ما عنده حق .
    هذا غير الفشل في ادارة الزحام والخدمة التأخير لأيام مع أخذ الرسوم الباهظة وتعذيب المواطن حتى لو يسرق يأتى للحكومة بالمال ليسدد الجباية .
    ما في حكومة في العالم بتعتمد في مواردها على عصر المواطن وأخذ رزقه كله ، يعنى اصبحنا عبيد الواحد اشتغل وادفعها للحكومة .

    1. صدقت القول اخي هؤلاء لا يدرون ماهي العواقب جميعهم أصابهم مرض السمسرة والرشوة داخل مؤسسات الدولة لان الفوضي بسبب سوء ادارتهم ويتعاملون مع المواطن كأنه شحاد امام منازلهم ومن هذا المنطلق الهجرة أصبحت واجب لا مفر منه من هذا البلد المقرف