رأي ومقالات

وعندما كان وجدي صالح يلجأ للاقتباس من أساليب التجربة الأم في العراق

“القبض” إذ يتقحطن مرتين!
ظل الأستاذ وجدي صالح، وغيره من جلاوزة التمكين، طوال فترة حكمهم، يرفضون تسمية( الاعتقالات ) ويشددون على أن ما يقومون به من اعتقالات يستحق تسمية ( القبض ) على خلفية جرائم وتهم جنائية، وكانوا يميعون شروط القبض إلى أقصى حد ليخرجوا كل اعتقالاتهم من تعريف الاعتقال، لكنهم الآن يبذلون جهداً كبيراً في الإتجاه المعاكس لإلغاء مجهودهم الكبير في قحطنة مفهوم ( القبض ) لا ليعود إلى معناه الطبيعي، ولكن ليقحطنوه في الاتجاه المضاد، ويشددوا شروطه بما يجعل أمكانية تعرضهم له مستحيلة، ويدخلوا أي مساس بهم، مهما كانت خلفياته، ضمن تعريف الاعتقال السياسي، وحتى تكتمل الصورة، يضربون الآن عن الطعام كما يفعل المعتقلون السياسيون في سابقة جديدة تضاف إلى سجل قحت الملئ بالسوابق .

وقد احتاجت القحطنة القديمة لتعريف القبض إلى مجهودات جبارة تكاملت فيها أدوار النظاميين المؤتمرين بأمر لجنة التمكين، والصحفيين الذين يمررون أجندتها، والساسة والناشطين والذباب الإلكتروني وكل منظومة القحط، وقد ظل النفي التام لتورطهم في الاعتقالات هو حالهم طوال في فترة حكمهم :
– عندما كان معمر موسى وميخائيل بطرس، وغيرهم كثر، يقضون أكثر من عام في سجون التمكين على خلفية ما شهد به المقدم عبد الله سليمان، في مكالمته مع نادر العبيد، من لعبة توريط وظلم مكشوفة ..

– وعندما كانت شورى/ ديمقراطية الاعتقالات تتسع لرغبات الناشطين وتفضيلاتهم وأمزجتهم؛ علاء الدين الدفينة : ( وردتني مكالمة مفادها “عاوزين منك اسماء لمن ترى ضرورة اعتقالهم .. اعتذرت بلطف لمحدثي ) – ولا أحد، غير المتصلين, يعلم كم عدد النشطاء الذين وردتهم مكالمات شبيهة فاستجابوا، ولم يعتذروا بلطف، ولا بغيره ..

– وعندما كانت الخفة وكان والتشفي ينزلان بالتعليق السياسي إلى مستوى محمد الفكي سليمان الذي تساءل ( إيلا قبضتوه ؟ خلوه بجي يجرب انترلوك كوبر بريحو )، في مفارقة فاضحة بما تصنع من مقارنة بين من كان يبني ويعمر، ولذلك لا يجد له شانؤه “الأشتر” مادةً للسخرية منه سوى إنجازاته في بناء الشوارع وتجميلها، ليعاقبه عقوبة تشبه إنجازاته، وبين من لا إنجاز له سوى سجل حافل بالتطبيقات العملية لأمنيته الخفيفة الحاقدة، ولم يتورط سياسي واحد من خصومه في التصريح بأمنية شبيهة وعقوبة تماثل إنجازاته..

– وعندما كان وجدي صالح يهتف : ( سيصرخون ) ليزايد عليه والي الخرطوم أيمن نمر الذي يرى بأن هذا لا يكفي، وأن سيصرخون يجب أن تتحول إلى ( العويل والبكاء ) في دوس تام للعدالة ومصادرةٍ كاملةٍ للحق في التظلم والاستئناف وتوصيفه بهذا الوصف الذي يمد لسانه للعدالة، أي عدالة، وإن كانت عدالة ستالين أو صدام .

– وعندما كانت تزايد عليهما والي نهر النيل وترفع السقف ( من بشريات العام، والله ما حنبقي على كوز في مؤسسة، حتى لو كان الشريف الرضي، نزيه وبصلي وبصوم، وماخد الرتبة الهو فيها أو الوظيفة الفيها هو، ماخدا بي حق ) ..

– وعندما كانت الجريمة هي إفطار جماعي في ساحةٍ كان مبلغ إنجازاتهم فيها أن غيروا إسمها إلى ساحة الحرية، وهي الجريمة التي لم تصنفها قوانين الساحة في أي وقت قبل تحولها إلى ساحة حرية .

– وعندما كانت المعروضات عصائد وعصائر نال عسكر لجنة التمكين نصيبهم منها، وكانت ذروة الجريمة عند إقامة الصلاة، وساعة صفر الحسم عند تكبيرة الإحرام ..

– وعندما كانت جريمة الإفطار من الأهمية بحيث تستحق مؤتمراً صحفياً ساخناً يستعرض فيه وجدي صالح تفاصيل نصره التاريخي على الفئة الباغية التي توهمت أن عين “الثورة” ستغفل عن انتهاكهم لقوانين الحرية في ساحة الحرية، وظنت أن يد الاعتقالات الغليظة لن تضربهم وتشتت جمعهم ..

– وعندما كان وجدي صالح يلجأ للاقتباس من أساليب التجربة الأم في العراق ويتحدث عن إجهاضهم لمخطط إرهابي من نظاميين بالخدمة والمعاش ( لم يتحدث عنه أحد، لا هو ولا غيره، بعد ذلك )، الأمر الذي يكشف بجلاء تام بأن الأمر كان بهتاناً وكذباً فاجراً سببه استبطان القناعة بعدم استحقاق الجريمة الأصلية لردود الفعل المبالغ فيها ..

– وعندما كانت جريدة “التيار” تستبق جريمة الإفطار بمانشيت تحريضي فاجر ( الوحدات النظامية تتأهب لمنع إفطار هيئة العمليات )، وبمتن خبر أكثر فجوراً ( في غضون ذلك أعلن عدد من منسوبي هيئة العمليات المحلولة ورموز بالمؤتمر الوطني أنهم بصدد إقامة إفطار رمضاني مساء اليوم الخميس في تحدٍ واضح للقانون ).

– ليكون مانشيتها في اليوم التالي( إصابات ودماء خلال فض الشرطة لإفطار جماعي بالخرطوم )، ولم تضف : واعتقالات لمتورطين في جريمة الإفطار، ولإرهابيين يخططون لتفجيرات !

– وعندما كان هشام ود قلبا بعد مسرحية محاولة اغتيال حمدوك يكتب : ( عشان ما تقول لي استباق تحريات .. وتسرع في إدانة الكيزان .. واقصاء .. ووو إلخ نفرض إنه محاولة الاغتيال نفذتها كائنات فضائية .. برضو الكيزان يتبلوا ..)

– وعندما كان ساطع الحاج يتوعد ( يجب اتخاذ قرار بسرعة شديدة هل نبقي رؤوسهم على أعناقهم أم لا ).
– وعندما كان أحد أطبائهم يقول مستبقاً إحدى تظاهرات الزحف الأخضر ( أي كوز يجيني مضروب بكرة بخيط ليهو بدون بنج، وما بلبس نضارتي، محل تمش تمش )

نعم لإطلاق سراح أي معتقل ..
نعم للمحاكمة العادلة لأي مقبوض عليه..
نعم لإعادة تعريف القبض بمعناه الحقيقي ..
لا للتقحيط القديم لمعنى القبض، ولا لمحاولة التقحيط المضاد ..

إبراهيم عثمان