المعاناة الاقتصادية .. طال أمدها هل من حلول ومخارج..؟
الخرطوم: علي وقيع الله
تزايدت معاناة الشعب الأبي بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية التي تضاعفت كثيراً خاصة في الفترة القليلة الماضية، ومؤخراً تسببت قفزة أسعار الدولار والوقود في التضييق على معيشة المواطن، رغم استمرار سياسية الإصلاح الاقتصادي التي وضعتها الحكومة الانتقالية لتخفيف الأعباء، وكأنما جاءت على عكس ذلك، حيث ظل الدولار في تصاعد مستمر وهو ما يؤثر سلباً على المواطنين في حياتهم اليومية بارتفاع أسعار السلع الأساسية بصورة مخيفة، ومنذ وقت مضى كان المواطنون يأملون في تخفيف المعاناة الاقتصادية بدءاً من رفع العقوبات الاقتصادية على السودان ومروراً بمؤتمر باريس وإعفاء السودان من بعض الديون، وكذلك المنح والقروض المقدمة للسودان، لكن وكأن هذه الآمال تبعثرت حيث لا أثر لها في ظل تفاقم الوضع الاقتصادي الذي تمر به البلاد.
تحدٍ كبير
يقول المحلل الاقتصادي دكتور محمد عيد كليس إن تدهور العملة السودانية أمام العملات الأجنبية وضعت السياسة النقدية في البلاد أمام تحدٍ كبير، مضيفاً أن هذا التدهور في العملة النقدية يُعبِر عن مدى فعالية السياسة الاقتصادية القائمة أو فشلها، مبيناً أن هذه الوضعية تتطلب من الحكومة الانتقالية في جانبها السيادي (العسكري والمدني) والتنفيذي ممثلة في وزارة المالية والبنك المركزي ضرورة تبني سياسات نقدية ومالية واقتصادية عاجلة وإبداعية تقدم حلولاً مبتكرة غير تقليدية وذات عائد سريع تحسن في مستوى معيشة الناس.
توازن سياسات
ونفى كليس أن يكون هناك حرج من مراجعة المذهب الاقتصادي الراهن القائم على أساس تبني سياسة التحرير الاقتصادي، وقال: يمكن أن تكون هناك موازنة في تنفيذ اشتراطات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي التي تستهدف الإصلاح الاقتصادي الوطني، وأوضح بالقول: أي أن يكون هناك توازن في تبني سياسة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي يراعى فيها مصلحة الناس، وبرر ذلك لأن هناك اختلاف في البيئات الاقتصادية على سبيل المثال نجد دولة مثل إثيوبيا استفادت من قروض البنك الدولي التي وصلت إلى 3 مليارات دولار خلال عام 2019 من أجل إصلاح الاقتصاد الكلي وتحسين المعيشة مع أن إثيوبيا طبقت فقط الحد الأدنى من شروط البنك الدولي التي تتماشى مع الظروف الاقتصادية الداخلية لإثيوبيا، ويضيف: ينبغي أن لا تكون سياسة تعويم الجنيه والتحرير الاقتصادي وسياسة رفع الدعم لفائدة شرائح صغيرة وغنية من المجتمع التي تستطيع زيادة ثرواتها في ظل هذه السياسات التحريرية، موضحاً أن الوضع الأمثل أن تكون هذه السياسات لصالح عامة الشعب.
تفكيك الشرائح
ويرى كليس في تصريح لـ(اليوم التالي) أن السبب في زيادة سعر الدولار مقابل الجنيه في السوق الموازي مقارنة بالسوق الرسمي برغم سياسة توحيد سعر الصرف وتدهور العملة الوطنية هو أن البنك المركزي ينقصه الاحتياطي النقدي الكافي من العملة الأجنبية مثل الدولار لمواجهة الطلب المتزايد على العملة الأجنبية، لافتاً إلى أن هذا الطلب المتزايد على الدولار تتم تغطيته من السوق الأسود، موضحاً أنه يعني ارتفاع سعر الدولار مباشرة، ويشير إلى أن الحل يكمن في قيام الحكومة بشقيها العسكري والمدني بالتنسيق مع وزارة المالية والبنك المركزي بتفكيك الشرائح والجماعات التي تمتلك الاحتياطي النقدي الأجنبي خارج القنوات الرسمية وخارج البنك المركزي ووزارة المالية.
معاش المواطن
وأوضح المحلل الاقتصادي محمد النيل أن الحكومة سعت بكل إمكانياتها وقدراتها في الوصول لحلول للأزمة الاقتصادية السودانية لكنها فشلت، وبرر فشلها لجهة أن خططها الموضوعة لم تلبِّ طموحات المواطن أو الدولة لتتمكن من إيجاد الحلول المباشرة لهذه الأزمة الاقتصادية المستفحلة، وأكد في حديثه لـ(اليوم التالي) أن الأزمة الاقتصادية تمر بمرحلة خطيرة جداً، مضيفاً أنها انعكست على معاش المواطن سواء كان في الصحة أو التعليم، والسلع التموينية وعلى مستوى الحراك في المواصلات ورفع الدعم عن الوقود والخبز وحتى الأدوية، قاطعاً بأنها أثرت بصورة مباشرة على المواطن.
جذب استثمارات
واستبعد النيل حلولاً للأزمة الاقتصادية في القريب العاجل ما لم تعيد الحكومة خططها وبرامجها وتعتمد على نفسها خاصة في الإنتاج والاستثمارات الخارجية لتستطيع الحصول على تحريك الاقتصاد السوداني سواء كان في الاقتصاد الصناعي أو الزراعي أو الثروة الحيوانية.
وفي إطار جذب الاسثمارات يقول أبو المجد: نحن بحاجة إلى أسس وضوابط ترغب وتجذب المستثمر، ويضيف الآن هنالك انفلات أمني والوفاق السياسي غير متوفر، إضافة إلى مناكفات ما بين مجموعة قوى الحرية والتغيير والمجلس السيادي، إلى جانب عدم استقرار داخل الحكومة والتخوين لدى الأحزاب السياسية، كما أن هنالك بعض المشاكسات والمناكفات التي تحدث بإقصاء بعض الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني من المشاركة والمساهمة في إيجاد الحلول في هذه الأزمة.
استيفاء شروط
وقال النيل إن الأزمة الاقتصادية تجذرت في أعماق الاقتصاد السوداني، ولوضع حلول للأزمة السودانية يرى أبو المجد ضرورة أن يكون هناك وفاق وطني شامل لا يستثني أحداً، وتوفير الأمن والاستقرار، وبرر ذلك لأن المستثمر لا يمكن أن يقدم على بلاد لا يتوفر فيها الأمن واصفاً إياها بالبند المهم، كما يرى ضرورة الجدية في موضوع السلام، قائلاً: يجب أن تكون هناك جدية كاملة لاستيفاء شروط الاتفاقيات التي تمت بخصوص السلام خاصة اتفاقية جوبا، معتقداً أن الطريق طويل لإيجاد حلول للأزمة الاقتصادية في ظل الوضع الراهن ما لم يكن هنالك تغيير مباشر في ديناميكية المساهمة من جميع الشعب السوداني لحل هذه الأزمة، ووصف الإنتاج بالمهم، قائلاً إنه لا يتم الا بتوفير الأمن والاستقرار وتصافي النفوس وحلول لكل الأزمات الأمنية والسياسية والاجتماعية.
تركيع المارد
وبين القيادي بالمؤتمر الوطني “المحلول” نور الدين أمبدي أن الأزمة الاقتصادية في السودان متوارثة منذ حكومة الإنقاذ وقبلها حكومة الإمام عليه رحمة الله، وأوضح بالقول إن الوقت الذي تعافى فيه الاقتصاد مؤقتاً في زمن الإنقاذ في الفترة ما بين 1992 الى 2005 وبعد استخراج البترول وتوقيع السلام مع الحركة الشعبية، معتبراً أنه جهد سوداني فقط، الا أن أعداء السودان قد ساؤتهم هذه الطفرة ودب الخوف في أعماقهم بسبب فشل مخططهم في تركيع هذا المارد الأفريقي الذي حاولوا إنهاكه بكل الطرق وعبر الخونة من أبنائه الذين لم يكن لهم هم غير الجلوس على كراسي السلطة ولو على جماجم أهاليهم، وقطع بأن ذلك أشعل الحرب عبر فصائل أخرى كانت جزءاً من الحكومة، موضحاً أن بعضها كانت لها مبررات والأخرى وجدت نصيبها من الغنيمة لا يكفي طموحاتها أو آمال لم تجد لتنفيذها طريقاً الا عبر فوهة البندقية ومنطق العاجزين، ومضى: فارتمت هذه الفصائل في أحضان أعداء الوطن.
تحويل ميزانية
ويواصل أمبدي حديثه بالقول: ولأن التأثير على المواطن والوطن وليس على النظام الحاكم وأعوانه الذين تمتعوا بخيرات هذا الوطن في ظل هذه الحرب وهذا الحصار تحت حجج ومبررات الحصول على معينات الحرب والتكنولوجيا بالسوق الأسود، وبين أنهم آثروا على أنفسهم هذه النعمة دون غيرهم الذين لا يوالونهم أو لا يجارونهم في فسادهم أو خطهم الذي رسموه للخروج بالبلاد من عنق الزجاجة دون سماع صوت غير صوتهم، مؤكداً أنه أشعل الغضب في نفوس هذه المعارضة غير الشريفة والتي اتخذت طرقاً غير شريفة في حربها ضد الوطن (نعم نقولها ضد الوطن) حسب قوله، وقال: هكذا مرة أخرى تم تحويل ميزانية الإعمار والتنمية إلى الحرب والتي قضت على أخضر ويابس اقتصاد السودان.
معاناة المواطن
ووصف أمبدي الحكومة بالفاشلة وعديمة الخبرة والوطنية والحياء، قائلاً إنها جاءت بأكبر كذبة في التاريخ وهي تنفخ في جسد الوطن الميت وهم الروح وتوعده بالرفاهية ومجانية كل شيء دون أدنى معرفة بما تقول، موضحاً أن إشكال الاقتصاد كان وما زال قائماً وقد تضاعف في تاريخ اليوم، ويشير إلى أنه لم يتطرق أحد هؤلاء بتعريف خلل الاقتصاد السوداني ومشكلة المواطن ولم يأبه أحدهم لذلك، مبيناً أن همهم كان الانتقام من الحكومة السابقة وأعوانها بأشد ما يمكن وكأن مشكلة اقتصاد البلد تكمن في القضاء عليهم، لذلك توقفت عجلة الإنتاج البطيئة التي اعتمدت عليها الإنقاذ في تسيير أمور الدولة بسبب تعنت الحكومة الحالية باتخاذ إجراءات اقتصادية كأوامر من دول خارجية لا تهمها معاناة المواطن ولا تأخر الوطن ولا التناحر الذي يجري الآن بسبب الوضع الاقتصادي والإقصاء المتعمد لمكونات الشعب وسياسة فرق تسد التي عمت البلاد مؤخراً مع الاعتماد على شماعة وجود دولة عميقة تعيق دولاب العمل كمبرر لهذا الفشل، ويشير إلى أن من الطبيعي في ظل هذا الوضع القاتم أن ينهار الاقتصاد الى الدرك الأسفل وأن تعم الفوضى والانفلات الأمني ويختفي القانون والعدالة من ساحة الوطن ليأكل القوي والضعيف.
توقف الإنتاج
وانتقد وجود حركات داخل البلاد تحمل أسلحتها دون ترتيبات أمنية وصرف استحقاقاتها المنصوص عليها في اتفاق جوبا، وأشار إلى توقف الإنتاج تماماً في كل مناحي الدولة والاعتماد على الشحدة والهبات التي أنكرها السيد رئيس الحكومة في بيانه الأول، ثم عاد اليها ليعتمدها مصدراً لتسيير حكومته، وقال إن الجنيه السوداني انهار أمام كل العملات الأجنبية بعشرات الأضعاف حتى وصل الى 500 مقابل الدولار الأمريكي، مضيفاً أنه لأول مرة في التاريخ دولة عملتها تسمى الجنيه وجنيهها غير مبرئ للذمة.
إفشال صادرات
وعن الصادرات وميزانها التجاري قال أمبدي إن عدم وجود خبرات كافية في وزارة التجارة والثروة الحيوانية أو عدم وجود مستشارين بكفاءات عالية تنبه واضعي السياسة في مجال التجارة والثروة الحيوانية وبقية الصادرات أدى إلى إرجاع وإفشال صادرات البلاد التي يعتمد عليها جنيهنا في صراعه مع العملات، وزاد: حتى معدن الذهب الذي اعتمدت عليه الحكومة السابقة بعد انفصال الجنوب أصبح يهرب وعبر بوابات الدولة الرسمية وبرعاية نافذين في هذه الحكومة لديهم حصانات تمنع مساءلتهم، وتساءل: من وضع بند حصانة لحكومة تسيير؟.
تهريب صادرات
ويرى الناشط السياسي عبدالرحيم عبدالله أن الأزمة الاقتصادية السودانية مفتعلة بنسبة مائة بالمائة لإفشال حكومة الفترة الانتقالية، وقال في حديثه لـ(اليوم التالي) إن الشواهد على ذلك كثيرة، مبدياً أسفه قائلاً إن الحاضنة السياسية ليست لها رؤية اقتصادية، مضيفاً أن عدم وجود مجلس تشريعي للتشريع والرقابة يعود إلى أنانية شركاء الحكم، قاطعاً بأن ذلك أسهم في الأزمة الاقتصادية، ويوضح أن تصاعد الدولار يعود إلى ضعف الحكومة خاصة المجلس السيادي، وبرر ذلك لأنه المسؤول عن الأمن بأقسامه المختلفة سواء كان اقتصادياً أو غيره، واتهم الحكومة بأنها تساعد تجار العملة (بترك الجمل بما حمل) للطفيليين، موضحاً أن كل ذلك عوامل رئيسية لتساعد الدولار على التصاعد، ونفى وجود صادرات سودانية قائلاً إنه تهريب مقنن، وأضاف: ينبغي أن يصدر ليعود بالمنفعة للشعب ولكن الصادرات تهرب بعلم ومساعدة نافذين في الدولة ولمصلحة أفراد إياها ذاتها، وقلل من وجود الميزان التجاري، وقال: ليس له أثر في الدولة السودانية، نافياً وجود أي حلول حال عدم قيام المجلس التشريعي لضبط ورقابة الحكومة بعدها يمكن إيجاد حلول.
اضطراب وبلبلة
وكان في وقت سابق عقدت الغرفة المركزية للسلع الاستراتيجية اجتماعاً برئاسة وزير المالية والتخطيط الاقتصادي الدكتور جبريل إبراهيم وبمشاركة وزير شؤون مجلس الوزراء المهندس خالد عمر يوسف عبر تقنية الفيديو كونفرس، وقال وزير المالية إن الاجتماع بلور العديد من الرؤى والإجراءات والترتيبات للتحكم في سعر الصرف، موضحاً أن الأسعار التي تحدثت عنها وسائل التواصل الاجتماعي لا علاقة لها بواقع السوق وأن القصد منها إحداث المزيد من الاضطراب والبلبلة في سوق العملة الوطنية وإيجاد المشكلات التي تؤثر سلباً على الاقتصاد الوطني حيث ناشد المواطنين بعدم الالتفات إلى ما تنشره وسائط التواصل الاجتماعي، موضحاً أن الدولة قادرة على التدخل لتوفير الموارد المطلوبة لسوق السلع الأساسية والاستراتيجية لافتاً إلى توفر النقد الأجنبي ببنك السودان المركزي وإمكانية تلبية مطالب الأفراد وسد حاجتهم لا سيما في حالات العلاج.
تحكم وتصدير
وفي نهاية مايو الفائت أجاز قطاع التنمية الاقتصادية بمجلس الوزراء في اجتماعه برئاسة وزير المالية والتخطيط الاقتصادي د. جبريل إبراهيم التوصية الخاصة بسياسات ضبط الصادر والوارد والتي تتضمن الإسراع في تطبيق النظام الإلكتروني والعمل بنظام النافذة الواحدة لتسهيل الرقابة على الصادر والوارد فضلاً عن مراجعة الرسوم المفروضة على المنتجات المحلية وكذلك التحكم في تصدير الذهب والقطن والصمغ العربي والسمسم بالإضافة الى تقييد استيراد العربات وحصر ذلك على الوكلاء المعتمدين، كما أجاز الاجتماع تقريراً عن الاستعداد للموسم الزارعي الصيفي من حيث التحضير وقد أوصى القطاع بمراجعة قانون مشروع الجزيرة لسنة ٢٠٠٥م مع الجهات المختصة علاوة على الاستفادة من مياه الأمطار الموسمية من خلال إنشاء الخزانات والسدود لري المشاريع الزراعية.
صحيفة اليوم التالي