معروف مصير من يلتف حوله كل ذلك العدد من المتظاهرين، والدمويين من عناصر الاشتباك

للامانة قمت بمشاهدة الفيديوهات التي توثق لحادثة الدهس المشار اليها، ورغم انني لا اتفق مطلقا مع تعمد تسبيب الاذى في التعامل مع حالات التظاهر، وسبق لي ان خضت اكثر من عشر مليونيات بشارع الستين، وفقنا في التصدي لهجمات واعتداءات كثيرة علينا مباشرة وعلى الممتلكات العامة والخاصة، ولكن كان محور تنويرنا للقوة قبل اي تحرك اننا لا نتعمد ايذاء الناس، وليس بيننا وبين المتظاهرين اي عداء او ثأر، نحذر جدا في التعامل مع المتظاهرين، نعم نتصرف بحسم في ادائنا، ولا نعطي فرصة لحدوث اي خسائر في قوتنا، ولا وسط الثوار الا بالقدر الذي يدفع المعتدين منهم ويصدهم…

ما دعاني لهذه المقدمة، ان الناس ركزوا فقط على الفيديو الذي يظهر تحرك السائق مباشرة نحو المتظاهرين وانحرافه بسرعة وقيامه بدهس المتظاهرين، وهو موقف رغم قساوته لكن من يربطه بالمشاهد الاخرى يستشف لماذا اختار السائق هذا التصرف، وكيف قدر الموقف لحظتها…
المراجع بدقة يلحظ ان المتظاهرين اقتحموا احدى سيارات الشرطة، وبدأوا بالاعتداء عليها وعلى طاقمها وشرعوافي تهشيم زجاجها واتلافها، والغريب ان قناة الحدث كانت مركزة على هذا المشهد، وكانت المذيعة لينا يعقوب تستمع لسؤال من مزيع الربط بالاستديوهات الرئيسة للقناة، ولم يعلق ايا منهما على مشهد الاعتداء او ينقله بصدق، وتدخلت لينا مقاطعة زميلها بعد ان شاهدت عربة الشرطة التي قامت بالدهس وهي تتحرك مسرعة باتجاه المتظاهرين، وظهر صوتها وهي تردد عبارة ( لا لا لا…)…

اغلب من تداولوا المقطع توقفوا عند هذه النقطة فقط، ليوثقوا لادانة التصرف، واظهار قوات الشرطة بالوحشية، لكن من يستكمل المشهد، يلحظ ان المتظاهرين الذين كانوا يعتدون على سيارة الشرطة الاولى ويحاصرون طاقمها، تفرقوا عنها بمجرد ظهور السيارة التي قامت بالدهس، وبالفعل افلتت هذه السيارة المعتدى عليها اولا وربما نجا طاقمها من موت محقق، ومعروف مصير من يلتف حوله كل ذلك العدد من المتظاهرين، والدمويين من عناصر الاشتباك…

سائق العربة التي قامت بالدهس يعلم عند قيامه بهذا التصرف انه قد لا ينجو حتى بنفسه بهذا الاقتحام، في حال تمكن منه المتظاهرون، وربما يدرك ايضا مسبقا حجم وعدد السيوف التي ستصلت عليه ممن يشاهدون المنظر، وقد يعرف بالادانات التي يدمغ بها لاحقا حتى قبل تقديمه للمحاكمة والحكم عليه بالاعدام، هو من قرر انه في كلا الحالين ميت… فإما ان يحازف بحياته في سبيل فداء زملائه الذين يشاهد هلاكهم امام عينيه، او يغمض عينه ويتركهم يواجهوا مصيرهم، ثم يفرك يديه من الحسرة عندما ترص جثامينهم امامه ويمشي في تشييعهم…

اقول لمن يضعون ايديهم في ماء بارد، ويحاكمون الناس من خلف ازرار الكيبورد، ويصدرون القرارات من غرفة (الفار) بعد ان شاهدوا اللقطة عشرات المرات ليقرروا الادانة… لستم في موقف عادل يسمح لكم بالقطع ان تعمد تسبيب الموت او الاذى في مثل هذه المواقف قد نبع من نفس متعطشة للدماء، ومتجردة من الانسانية… مع الاقرار بأن المخطئ يجب ان ينال جزاءه المناسب.

نعم قتل النفس البشرية من اعظم واقبح الافعال عند الله تعالى، ومما يستوجب غضب ربنا جل وعلا، الا قتلا بالحق، ومن امثلته توفر ايا من الدفوع والاستثناءات العامة والخاصة التي نص عليها القانون الجنائي، وهي مواد مأخوذة ومستوحاة من شرع الله الحنيف… نسأل الله ان يغفر ويرحم من صعدت ارواحهم الى بارئها نتيجة هذا الحدث، وان يشفي الجرحى وعامة المصابين، وان يربط على قلوب اهلهم بالصبر الجميل.. . وان يلطف العزيز الرحيم بطاقم تلك العربة وان يحكم عليهم بقضائه العدل، فهو الاعلم بالمقاصد والنوايا وما تخفي الصدور… هو ولي ذلك والقادر عليه
والله المستعان

العقيدشرطة د.عمر محمداحمد عثمان
(مدير شرطة محلية شندي وعمل لفترات طويلة بكلية الشرطة والولايات)

Exit mobile version