حكاية مغترب سوداني زار الخرطوم في آخر زمان الانقاذ وكانت الزيارة الثانية في فترة حكومة القحاطة
الوخز بالكلمات
في أحيانٍ كثيرة تظل الحكمة الشعبية والعبارة والنكتة أذكى من أي تقرير اقتصادي أكاديمي في توصيف تضخم وغلاء الأسعار.
١/ حكى ظريف المدينة أن موظف سوداني مغترب زار الخرطوم في آخر زمان الانقاذ وكانت الزيارة الثانية في فترة حكومة القحاطة. دخل شقته وقد أراد أن يزيل عنه وعثاء السفر وغبار المطار والمشوار بحمام منعش. نادى على حارس البناية وقد نقده عشرة جنيهات لشراء صابونة حمام من البقالة الصغيرة المجاورة للبناية، دفع الحارس المبلغ لصاحب البقالة وطالبه بصابونة حمام مستوردة.
قلب البائع الورقة في دهشة وقال بلغة الريف ساخراً: ١٠ جنيه بس؟ إنت عمك دة آخر مرة إتبرد متين؟
وقس على ذلك …
٢/ برقية في بريد الأزمة وفي بريد القيادي المدني أو النظامي قال الحكيم الشعبي: ( وسيف البالة ما بقطع قدر ما تسنو )
٣/ قالت مخابرات المدينة المنورة أن فتىً قد ترك العمل الحلال واصبح لصاً ثم سارقا ثم فاتكاً، ورغم كثرة الضحايا إلا أنه كان يجيد فن التخفي والمداراة وأخيراً وقع في (القيد وبالثابته).
فقد ضبطته شرطة المدينة متلبساً وحُكم عليه بحد السرقة. جاءت والدته تولول بين يدي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب مدعيةً بأن جناية إبنها هي الأولى في حياته فرد الفاروق رضي الله عنه قائلا: الله أرحم بعبده من أن يؤاخذه من أول مرة.
قال الشاهد: ملأ الفتى أعينه في التراب وصمت عمر وذهبت المرأة بلا تعليق.
وهل هنالك حكاية أبلغ من هذه تُهدى لعصابات النهب المسلح بدارفور وهامش العاصمة وقلبها؟
٤/ شاهدتُ بالأمس الفيديو الذي يهتفُ فيه الأحباش في الاعتصام بالخرطوم وقد أحاط بهم القحاطة وهم يرقصون إحتفاءً بجثث الجنود السودانيين المغدورين باثيوبيا، وقد ملأت مأساتهم المواقع.
لم أتعجب لوضاعة القحاطة، ولكنني تعجبت لجرأة الأحباش، مثل هذه الوضاعة السودانية والجرأة الحبشية مستحيل أن تحدث في أي عاصمة في الدنيا غير الخرطوم… الفاتحة
ولم ولن ينتهي العزاء بإنتهاء مراسم الدفن
٥/ كان يظن أنه لن يغادر الخرطوم إلا لحجٍ أو لعمرة لم يتخيل يوماً أن يبيع كل ما يملك ويشتري شقةً قصية في مدينةٍ غريبة، ولكنه أخيراً فعلها. وفي أول خطوة نحو الطائرة ملأ أعينه من الخرطوم المستباحة وتأسى بأبيات المتنبي:
مَا مُقامي بأرْضِ نَخْلَةَ إلاّ
كمُقامِ المَسيحِ بَينَ اليَهُودِ
أَنا في أُمَّةٍ تَدارَكَها اللَــهُ
غَريبٌ كَصالِحٍ في ثَمودِ
فكانت أول خدمة للمضيفة الحسناء في هذه السفرية حزمة المناديل التي جفف بها المسكين أدمع الوداع الغزار.
حسين خوجلي