محمد محمد خير

محمد محمد خير يكتب: ماذا أكتب?


أعظم ابتلاء يتعرض له الانسان هو ان تكون مهنته الكتابة لصحيفة تصدر يومياً لتخاطب شعباً يتأوه كل يوم واشق انواع التحدي هو ان تكون على استعداد لانجاز هذا المستحيل .

واصعبها جميعاً ان تكون بعيداً عن جغرافيا الشعب . محروماً من رؤيته وهو يلهث ويانف ويتلاشى ويسخط ويأمل ويعبس ثم يتولى .!

ظللت طوال يوم امس اتجول في مجموعات التواصل بجميع اجناسها كي اجد ما يستحق ان تستلقي وتتأمل وانت ممسك بالقلم لتكتب حول شيء دون ان تصاب بالدوار فارتديت لذهولي .

تمساح يلتهم طفلاً في الكلاكلة ومنزل صديق عمري ودراستي حمد قرشي يصبح موئلاً لموج النهر وصورة لحمد بالعرّاقي والحيرة وكل جمال الفقر ونظرة من عينيه تتسد نحو افق بلا شاطئ .

لحمد ونهر النيل الابيض علاقة تشهد عليها كل الاسماك ( قراقير وبلطي وعجول وبياض ) ويشهد عليها ( الكبروس) ذلك السمك النادر المحرض الفوري للفحولة !

حين تزوجت عام 81 قدم لي حمد هديته كانت عبارة عن نزهة في النيل الابيض بمركبه ورحلة صيد ظفرنا فيها بعدد من الموج والنسائم وسمكة كبروس كانت سبباً في تقديم ابني الاكبر الزبير اوراق اعتماده للحياة وليداً خرج من شهوتي بمساندة الكبروس!

العلاقة بين حمد ونهر النيل الابيض مثل علاقة الكف بالاصابع فقد باح له النهر كل اسراره قبل ان يخونه حين لبس الاقنعة وتحول من نهر لافعى .

رغم ان حمد اكمل تعليمه الجامعي وعمل بديوان شؤون الخدمة حتى تسنم مواقع رفيعة في الديوان واصبح مديراً لاحدى اداراته الا انه ظل (حواتي) بدافع العشق للنهر والاخلاص للمركب والامتداد بمهنة والده وايضاً لتوطين الطمأنينة التي لا تعتدل الا بالنهر . واصبح حمد نفسه نهراً فصوته سقيا وخصاله حفيف ونفسه ( غريقة) في قاع النهر وفي نواصي الجمال.

وكنت اشارك حمد هذا الهيام بالنهر وعقدت محبة مع شجرة تعيش على فيضه وكتبت تحت ظلها اجمل اشعاري العاطفية حين كان القلب عامراً والصبابات هتونة .

قطرت ليك الشوق لبن

وقدمت ليك الليل هدية

لكني يا الطير الرحلت

كان زماني معاك شوية

لسه ما اتاملت وشك

طرت ركيت في عينيا

طالما خان النهر حمد قرشي وتهافت على بيته و (نسي العشرة) فان شجرتي حتماً كانت احد ضحايا خيانة النهر . خان النهر حمد قرشي لان الخيانة لا يكتمل معناها الا اذا كانت من اقرب الاقربين وليس لحمد من خليل سوى النهر!!

صحيفة الانتباهة