رأي ومقالات

دكتور ياسر أبّشر يكتب: دستور بالمقاولة

كانت حُجّة ڤلري جيسكارد دستان ( كما ننطقها بالعربي ) ، رئيس فرنسا الأسبق ، في رفضه دخول تركيا للاتحاد الأوروبي أن الإتحاد الأوروبي ” نادي مسيحي ” وتركيا مسلمة ، صدر هذا من رئيس فرنسا المتطرفة في علمانيتها ، مما يعني أن هذا التطرف موجه ضد دين بعينه. ثم أصدرت فرنسا قانوناً يُحرّم الرموز الدينية ، فاستهدفت حجاب المسلمات ، لكنها تتساهل إزاء حجاب بل نقاب نساء طائفة الحراديم اليهودية ، وتتساهل إزاء إرتداء القلنسوة اليهودية ( Kippah )، وكل هذه رموز دينية ، ثم تجدهم يُحِلّون الإساءة لنبي الإسلام بدعوى أنها من حرية التعبير الذي لا يشمل مجرد إبداء رأي عن المحرقة اليهودية The Holocaust ، فذلك رأي سيفضي بك لغياهب السجون . وفرنسا العلمانية هي التي قتلت 400 من علماء الدين الإسلامي في تشاد في مقتلة عظيمة ، دع عنك ما فعلته بدين الإسلام في الجزائر .
وفي الإتحاد الأوروبي ، المكون من 28 دولة كلها تدعي أنها علمانية ، لكن حوالى 20 دولة منها تضع الصليب في أعلامها. والعلم هو رمز السيادة الذي يُفدى بالمُهَجِ والأرواح ، والصليب أقدس ما لدى المسيحيين . وتنص معظم دساتيرها على دين الدولة ، بل إن بعضها ينص دستورها على مذهب مسيحي بعينه .
وفي بريطانيا يعتبر الملك حامي البروتستانتية Defender of Faith . وبمجلس اللوردات البريطاني ( وهو الغرفة الأعلى في البرلمان ) 26 عضواً هم كبار الكرادلة في بريطانيا ويتم تعيينهم ، وإنما يعينون بحكم درجتهم الكنسية ، ويسمون في مجلس اللوردات ” باللوردات الروحيين ” Lords Spiritual , يحضرون الجلسات ويتداولون في الموضوعات المطروحة. وبحسب النظم لا تبدأ الجلسة إلّا بعد أن يصلي أحد هؤلاء الكرادلة بأعضاء المجلس ” إلتماساً للبركة ” !!! . ويقسم ملك بريطانيا على الإنجيل . وفي مراسم تشييع الملكة في وست منستر آبي لم تَتَبقّ إلّا قراءة سورة يسن !!! وكذلك يقسم رئيس أميركا على الإنجيل حين تنصيبه ، ولا يُنكر الدور والتأثير الكبير لما يُعرف بالمسيحيين الصهاينة Christian Zionists واليمين المسيحي في مجريات الأوضاع السياسية في أميركا . وتبنّت أنجيلا ميركل مستشارة ألمانيا السابقة ضرورة الإشارة ألى القيم المسيحية في دستور الإتحاد الأوروبي ، وكانت ميركل زعيمة الحزب الديمقراطي المسيحي ، أكرر المسيحي .
كل هذه الوقائع والمظاهر والدول الغربية تزعم أنها علمانية لا علاقة لها بالدين .
وفي الحرب تتجلى الإنتماءات الدينية بوضوح ، فنانسي بيلوسي تُهرع لنجدة أرمينيا المسيحية ضد أزربيجان المسلمة. وحتى في حربنا في الجنوب كان حديثهم أنها حرب بين الجنوب المسيحي الأفريقي ضد الشمال العربي المسلم ، فدفعوا بمنظمات مثل Christian Solidarity وموّلوها لتقوية ومناصرة المسيحيين الجنوبيين !!! . ولما أزالت الحكومة وقتها راكوبة رفع فوقها صليب في الجِريف وأقيمت من غير تصريح ، هاج الغرب وماج ضد حكومة ” المتطرفين المسلمين ” الذين يعادون حرية التدين !!!
ومما أذكره أنني صليت العصر يوماً بين أرفف الكتب في مكتبة الجامعة ، وعند فراغي من الصلاة فوجئت بالحرس الجامعي يقف فوق رأسي ، وعَنّفني على ممارسة الصلاة في جامعة أمريكية وفي بلد علماني . حدث لي هذا علماً بأنني شاهدت قسيساً يصلي بطلاب في نفس المكتبة والطلاب يقولون آمين بصوت مرتفع لكن إدارة المكتبة لم تستدعِ لهم الحرس الجامعي !!!
أمًا نحن فقد بلينا بأقوام حالت جهالتهم وعمالتهم دون استكناه حقيقةً الغرب الذي يستغل ضعفهم أمام المال وانعدام وطنيتهم.
كفي الوثيقة التي أصدرتها مجموعة من نقابة تسيير المحامين المحلولة عيباً وعاراً أن الاستاذ المحامي يحيى محمد الحسين شهد وهو عضو في اللجنة أن زملاءه الذين تبنوا تلك الورقة العطوبة إرتشوا !!!
ثم إنها فضحت جهلهم بالقانون فانتهكوا المبادئ والقواعد التي قام عليها الفقه القانوني في كل الدنيا ، وذلك حين أسقطوا مبدأ ( التقادم المُسقط للعقوبة ) ومبدأ ( عدم سريان القانون بأثر رجعي ) . ترى أين درس هؤلاء القانون !!! أتُراهم اطلعوا على نماذج من دساتير الدول ؟؟ أم أنه مرض النفوس المكتظّة بالسخائم والعياذ بالله ، وهكذا يكون العميل :
وَلَيسَ جَميلاً عِرضُهُ فَيَصونَهُ
وَلَيسَ جَميلاً أَن يَكونَ جَميلا
وَيَكذِبُ ما أَذلَلتُهُ بِهِجائِهِ
لَقَد كانَ مِن قَبلِ الهِجاءِ ذَليلا
ثم إنهم تجاهلوا في ورقتهم البائسة دين الله ولغة قومهم وتراثهم ، وسادتهم أشد ما يكونون حرصاً على دينهم وتراثهم ولغتهم .
الحقيقة المُرة والتي تُدمي القلوب أن أولئك المحامين رضوا أن يُتّخذوا جسراً تعبر عليه الوثيقة التي تعاقد ڤولكر مع منظمة السياسات والقانون الدولي العام PILPG لرعاية كتابتها بواسطة قانوني من جنوب أفريقيا ، وفقاً لبعض المصادر .
لعمري إن بقاء أحدهم حيَاً أو ميتاً سواء ، فالعُميل محل احتقار الأشراف الوطنيين :
إنْ مَاتَ مَاتَ بِلا فَقْدٍ ولا أسَفٍ أو عَاشَ عَاشَ بلا خَلْقٍ ولا خُلُقِ
مِنْهُ تَعلَّمَ عَبدٌ شَقَّ هامَتَهُ خَوْنَ الصَّديقِ ودَسَّ الغَدرِ في المَلَقِ
حين استقلت دولة الإمارات إتصلت السلطات بدكتور عبدالرزاق السنهوري ، الفقيه الدستوري المصري لوضع مسودة الدستور. وقتها كان دكتور السنهوري قد تقدم به العمر ، فأشار على شيخ زايد أن يتواصل مع فقيه دستوري سوداني نابه ومتميز إسمه حسن الترابي . وهذا ما جرى بالفعل.
سافر دكتور الترابي للأمارات ، واستضافه شيخ زايد في منزله المبني من الطين والمكون من طابقين ، وكان حين احتاج أن يَسْتَكْنٍه آراء أهل الأمارات الأخرى يسافر على ظهر جمل ويقيم في خيمة. حدثني بذلك أحد تلاميذه الثٍقَات رواية عنه . فانظر يا رعاك الله كيف أصبح أهل الدساتير لدينا :
مالي وللنجم يرعاني وأرعاهُ أمسى كلانا يعافُ الغمضَ جفناهُ
لي فيكَ يا ليلُ آهاتٌ أردِّدُها أوَّاهُ لو أجْدت المحزونَ أواه
إنى تذكرتُ والذكرى مُؤَرِّقةٌ مجداً تليداً بأيدينا أضعناه
كم صرفَتْنَا يدٌ كنّا نصرِّفها وبات يملكنا شعبٌ ملكناه
هي الحنيفةُ عينُ اللـه تكلؤها فكل من حاولوا تشويهها شاهوا
(همو مشوا وَرَاءَ الغرب في سفهٍ عمياً فأصابتهم ) شظاياه .
♦️دكتور ياسر أبّشر