تحقيقات وتقارير

ما مخاطر التكتلات السياسية على “انتقال السودان”؟


على رغم توصل تحالف “قوى الحرية والتغيير” في السودان (المجلس المركزي) ومكونات سياسية أخرى مع المكون العسكري لاتفاق إطاري يتم التوقيع عليه، الإثنين الخامس من ديسمبر (كانون الأول)، ينهي الأزمة السياسية التي تفجرت بسبب تعطيل قائد الجيش عبدالفتاح البرهان الشراكة مع المدنيين في 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، ويؤسس لسلطة مدنية كاملة في البلاد، كيف ينظر المراقبون إلى أثر التكتلات السياسية المعارضة لهذا الاتفاق على استقرار ما تبقى من فترة انتقالية وصولات للانتخابات العامة؟

اختلاف الوسائل

قال أمين الشؤون الخارجية في حزب المؤتمر السوداني فؤاد عثمان، “بطبيعة الحال، الاختلافات والتباينات في المعسكر المدني مسألة طبيعية، فمن غير المعقول أن يصطف جميع الناس بمختلف توجهاتهم وألوان طيفهم حول موقف أو تكتيك محدد، لكن يجب أن يظل باب الحوار مفتوحاً مع كل التيارات المدنية حول الغاية من العملية السياسية لتحقيق أهداف الثورة، وفي تقديري أن مصدر الخلاف ينصب في اختلاف الوسائل السياسية”.

وأضاف، “قوى الحرية والتغيير قامت بتحليل طبيعة الأزمة التي تفجرت بسبب انقلاب 25 أكتوبر، وأصدرت في فبراير (شباط) 2022 رؤيتها لإنهاء هذا الانقلاب من خلال ثلاث وسائل هي: الحراك الجماهيري السلمي، وكسب وحشد الدعم الدولي والإقليمي لقطع الطريق على الانقلاب وعزله، والحل السياسي الذي يفضي إلى إنهاء الانقلاب واسترداد مسار التحول الديمقراطي، وصولاً إلى انتخابات حرة ونزيهة. وعلى هذا الأساس، حدثت نقاشات عديدة مع القوى المجتمعية والسياسية والمهنية حول الآليات التي تحقق مطالب الشارع المتمثلة في مدنية الدولة كاملة، وتفكيك النظام السابق، وعودة العسكر لثكناتهم، وتكوين جيش واحد، وإنفاذ العدالة الاجتماعية، وإيجاد علاقات دولية متوازنة، ومخرج للضائقة الاقتصادية”.

تأييد واسع

وتابع عثمان، “لإحداث حل سياسي متوافق عليه، دعمت قوى الحرية والتغيير مبادرة دستور نقابة المحامين السودانيين وشاركت بفاعلية وإيجابية في النقاشات التي جرت حوله، والتي أفضت إلى تعاطي جزء كبير من القوى السياسية إيجاباً معه، وتم تطوير هذا الدستور بموجب النقاشات والملاحظات التي قدمت من الأطراف المدنية والعسكرية، مما أوجد تأييداً واسعاً له من قبل شريحة تمثل القاعدة الحقيقية التي يمكن أن تقود المرحلة الانتقالية إلى بر الأمان”. ولفت إلى أنه “من الطبيعي أن تكون هناك قوى سياسية متحفظة ومعارضة لما توصلت إليه قوى الحرية والتغيير والقوى الأخرى كالاتحادي الديمقراطي الأصل، وحزب المؤتمر الشعبي، وأنصار السنة وغيرهم، من اتفاق سياسي مع المكون العسكري عبر وساطة الآلية الثلاثية والرباعية، لكن ضمان استقرار الفترة الانتقالية المستعادة عبر هذا الاتفاق سيكون بتوسعة قاعدة الانتقال من خلال جبهة مدنية عريضة تدعم مشروع الاتفاق السياسي الإطاري”.

وأكد أمين الشؤون الخارجية في حزب المؤتمر السوداني أن التجاذبات بين الكتل والقوى السياسية ستكون مقلقة، لذلك من الأفضل ألا تكون هناك قطيعة بين الأطراف المدنية بخاصة التي لا تختلف في ما بينها حول الهدف، ويجب أن يتواصل الحوار البناء وألا ينقطع لأنه المانع لأي تجاذبات بين الأطراف المعنية.

استعداء الثورة

في سياق متصل، قال عضو اللجنة المركزية في الحزب الشيوعي السوداني كمال كرار، “الملاحظ أن هناك قوى سياسية كثيرة، بما فيها اللجنة الأمنية لنظام الرئيس المعزول عمر البشير (المكون العسكري حالياً) اجتهدت منذ بدء ثورة ديسمبر 2018 لقطع الطريق أمام الثورة وإحداث تغيير يتمثل في بقاء النظام السابق بوجوه جديدة، والآن، باستثناء كتلة التغيير الجذري، نجد أن الكتل السياسية الأخرى ليس بينها صراع أو اختلاف كبير، فهي تريد التسوية والشراكة مع العسكر، وحتى فترة حكم البشير كانت خلافات هذه القوى مع نظامه حول الحصص في المناصب والثروة”.

أضاف كرار، “هذا السيناريو الذي يحدث في هذه الفترة الانتقالية شبيه بما حدث عقب انتفاضتي أكتوبر 1964، وأبريل (نيسان) 1985، وهو قائم على استعداء الثورة التي قادت إلى التغيير والعمل على إعادة إنتاج النظام الديكتاتوري السابق، وظل هذا السعي مستمراً حتى قيام الانتخابات في هاتين الفترتين حتى لا تكون قوى الثورة على رأس السلطة، لكن ما يميز هذه الفترة أن الشارع محروس بلجان المقاومة، فالآن يمكن أن تكون هناك حكومة في إطار التسوية التي تمت، لكنها ستكون حكومة انقلابية بدعم من المجتمع الدولي والإقليمي، فالتاريخ باق للمحاسبة والشعب شاهد على ما يجري”. وتابع، “في اعتقادي أنه ما دامت التسوية مع جنرالات الجيش والدعم السريع، فلن يخرجوا من المشهد السياسي، ولن يعودوا إلى ثكناتهم، وكل يغني على ليلاه، فهذه التسوية أريد بها تصفية الثورة، كما فعلت حكومة رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك، بالتالي لن تكون هناك عدالة ولا محاسبة، بل إفلات من العقاب”.

ولفت عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني إلى أن “التغيير الحقيقي ليس بعيد المنال، ونحن كتيار يحمل شعار التغيير الجذري نراه قريباً، لكنه يعتمد على مزيد من التنظيم والتكتيكات السياسية، فالمخرج المستدام للبلاد سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأمنياً أن تنتصر الثورة، وأن أي حديث عن التسوية يعني رجوعنا إلى المربع الأول، وهو استمرار أزمتنا السياسية القائمة منذ إعلان الاستقلال في 1956”.

صراع

وأفاد المتخصص في الدراسات الاستراتيجية محمد حسب الرسول بأن هناك أربع كتل سياسية في البلاد تحمل رؤى مختلفة لإدارة شؤون الحكم للفترة الانتقالية، لكن هناك عاملاً مشتركاً بين ثلاث منها هي “الكتلة الديمقراطية”، و”كتلة التغيير الجذري”، و”الكتلة الوطنية” التي يمثلها “نداء أهل السودان”، وهو رفضها التدخل الخارجي الذي استلب القرار الوطني وانتهك سيادة واستقلال البلد، ما يلزم هذه الكتل بأن تبني عليه خطة وطنية تحشد فيها كل الطاقات الوطنية من أجل المحافظة على أمن واستقرار ووحدة السودان وصون استقلاله واسترداد قراره الوطني. وأضاف حسب الرسول، “أما الكتلة الرابعة فهي التي تحالفت مع الغرب وتبنت مشروعه ودستوره بعد أن تأكد لها أنه لا مصلحة لها في انتقال يفضي إلى تحول ديمقراطي عبر الانتخابات، بخاصة أن الخريطة السياسية والانتخابية قد تبدلت، فحزب الأمة الذي يعد أكبر أحزاب هذه الكتلة انقسم إلى أكثر من ثمانية أحزاب، وتغيرت بشكل كبير الولاءات في مناطق نفوذه التاريخية، بخاصة دارفور والنيل الأبيض، مما جعله يفقد جزءاً كبيراً من قاعدته الانتخابية، كما ينطبق الأمر ذاته على حلفائه من أحزاب البعث والمؤتمر السوداني والتجمع الاتحادي الذين تنعقد مصلحتهم في تعزيز صلاتها بالخارج وإيجاد تسوية مع العسكر برعاية أجنبية، بالتالي، ستكون تسوية هشة وضعيفة، ولن تصمد طويلاً أمام التكتلات الأخرى ذات الجذور الشعبية، بخاصة إذا استعجل الغرب تنفيذ برنامجه المجافي لهوية وطبيعة وقيم وأخلاق المجتمع”.

وتابع المتخصص في الدراسات الاستراتيجية، “ستكون الفترة الانتقالية فترة صراع ومدافعة بين المشروع الاستعماري الغربي وبين الكتل التي تتبنى أطروحة الاستقلال الوطني، وسيسعى البرهان إلى توظيف معطيات الواقع السياسي لصالح مشروعه الخاص بالحكم، كما سيسعى قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) مع كتلة الحرية والتغيير إلى تعزيز دوره وحضوره بمساعدة الخارج، في حين ستجد كتلة الوفاق الديمقراطي نفسها أمام تحد جديد يتجاوز اتفاقية جوبا للسلام، ويتجاوز حقوقها المدنية، مما سيدفعها لاتخاذ مواقف مناهضة لأي مشروع يسلبها الحقوق التي اكتسبتها من اتفاقية جوبا، أو من التفاهمات التي تمت بين البرهان والقاهرة ممثلة في زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي محمد عثمان الميرغني، وستدخل المكونات الاجتماعية على خط المواجهة مع سلطة التسوية المرتبطة بالمشروع الخارجي”.

إندبندنت عربية