محمد محمد خير يكتب: تأنيث ذكور الضأن
أجمل تحوير قرأته شعراً كان للتونسي المجنون صديقنا يوسف رزوقة فقد قال:
ليست التاء في طاعتي
لأؤنث شكلي
كي أتزوج بي
يوسف رزوقة والمزغني وأولاد أحمد من شعراء تونس المغايرين تماماً، فقد نقلوا القصيدة الحديثة لمربع الدهشة ببساطة ورؤية.
البارحة هاتفني صديق يستفسرني عن سر محاولة مصدّرين للبهائم تأنيث الخراف، لأنه يعتقد أن الخروف أعلى سعراً من النعجة، سرني سؤاله وحمدت له أنه قصدني رغم أنني لست طبيباً بيطرياً ولا مصدّراً، أنا فقط (كاتب ضأن) أتغزل فيه مثلما تغزل طرفه بن العبد في ناقته، ومثلما أنشأ إبراهيم الكوني في روايته (التبر) علاقة عاطفية بينه وبين جمله، إنها رواية من الروايات النادرة لأن بطلها جمل، ولأنها تتحرك على جغرافيا بيئة ليس فيها سوى الرمال والسماء والنجوم، إنها الصحراء التي أدمنها الكوني حتى سميت روايته (أدب الصحراء).
حظ الخروف في سوق الأسعار ليس كحظ الأنثى فهو للذبح وهي للطرح، يخرج الخروف من ميناء التصدير مباشرة للسلخ، وتذهب الأنثى لمواطن الدعة والعشب الطيب لتجد في انتظارها (متفرغاً ضانياً) يسمونه (الفحل) يوزع وقته بين الإناث بعدل في مهمة ميكانيكية متجددة لا تنتهى بانتهاء الوطء بل تبدأ منه!.
خروف يتم انتحابه وفقاً لمقاييس دقيقة لإنجاز مهمة تتعلق بالنسل واستمراريته على قاعدة حفظ النوع وإثراء الأسواق باللحم وينذر فقط لهذه المهمة مثل الكادر الحزبي الذي يحرس الايديلوجيا، هو (خروف متفرغ) لكنه لا علاقة له بالأيديلوجيا.
يتجول هذا الخروف منذ الصباح الباكر حتى النصف الثاني من الليل بين النعاج موزعاً لهن سر الليل، ساكباً ما يركض في خرز ظهره من ماء كفيف، ويا سبحان ربك لا يخطئ هذا الخروف المتفرغ في نعجة فيعاشرها مرتين، تتهدل عطاياه بينهن بكل ذلك العدل الفطري، فتنال كل أنثى حظها منه مرة واحدة في اليوم، كأن طبيباً أشار في وصفة (لحبة عند اللزوم)!.
ومثلما ينحى المتزوجون بأكثر من زوجتين للمقويات من (مديدة الدخن) والأسماك البحرية، يحرص المشرفون على ذلك الخروف بعلفه (بالأمباز) فالأمباز أيضاً يقوي الهمة، ويشحذ العزيمة ويشد البضعة، أسال الله ألا يلجأ إليه بنو الإنسان.
في ذلك المرعى الذي تجوز تسميته (بالمراح المقفول) يكون المشهد كالتالي:- خراف متفرغة متجولة بين النعاج، ونعاج حوامل، وأخريات على مشارف الوضع، ونعجة تتطلع مدفوعة باللهفة لملاقاة (المتفرغ) قبل أن (تتم الأربعين)!.
هناك أركان غائبة في هذه الجريمة التي تم اكتشافها عند ميناء التصدير وأهم تلك الأركان الجراح الذي ركب خصيتي الخراف فهذه عملية تجميل دقيقة لن يكون فاعلها بالطبع (نقلتي) وهناك المشتري الذي يعرف أن من بين تلك الخراف سبعين نعجة (مضروبة) غاب هؤلاء عن مسرح تلك الجريمة وهم في الأصل أركانها.
* من أرشيف الكاتب
صحيفة الصيحة