أبرز العناوينرأي ومقالات

أين “غنيم” السوداني؟؟


الايدلوجيون في الغالب صادقون، لكن ٱفة معظمهم انهم لايملكون- ولايسعون لامتلاك- أية اداة اخرى للمعرفة والتفسير والتعامل مع القضايا والاحداث سوى الفكرة الأولى والاخيرة التي بحوزتهم.

اذا كنت متعصبا أعمى لفكرة بشرية، فأنت فريسة سهلة للخداع، وأداة طيعة للأخرين، وقناة سالكة لتمرير المٱرب والاغراض(تقرأ الاجندة)، واسوأ من ذلك أنك تعمى عن رؤية الحقائق البسيطة.

أخشى ان يكون الايدلوجيون اليوم هم الديسمبريين، كان اغلبهم صادقين، ولكن سريعا صممت لهم ايدلوجية negative term يمكن تعريفها بأنها ضد الفلول او الكيزان او الاسلاميين، ولكنها لا تكتسب اي تعريف من تلقاء نفسها، فهي لا تعرف الا انها(ضد).

انفصلت الثورة عن الشهر، اختفت الثورة وحافظ ديسمبر على عاديته كسائر الشهور التي تتعاقب على الناس. ولكن بقيت(كراهية الفلول) هي الايدلوجيا التي أعمت الديسمبريين عن رؤية الحقائق البدهية في السودان.

لا ينقص المرء الشجاعة ليقول ان ديسمبر لم تكن ثورة من حيث الغايات، إذا سلمنا جدلا انها ثورة من حيث الوسائل، وهذا الوصف لا يحتاج الى شجاعة، لكنه كان يحتاج الى زمن حتى تزال بعض الاغشية.

وافدح الاخطاء هو ما احتجت الى الزمن لادراك عاقبته بعد أن كان مقدورا اتقاء بوادره، وقد عبر عن ذلك الناشط المصري الشهير وائل غنيم الذي وثق لتوبته عن الفعل الثوري، في فيديو شهير خلص فيه الى ان(الثورة على اي نظام غلط).

لقد انخدع الديسمبريون في كل شيء تقريبا، ابتداء من السيادة الوطنية، مرورا بالسلام، وليس انتهاء بالاقتصاد والخدمات من صحة وتعليم وبنية تحتية، وحق عليهم قول الراحل محمد احمد المحجوب(واستبدلوا سيفي الجزار بأسيف خشب..وباعوا عسجدي بنحاسي).

عبر ايدلوجيا(كراهية الفلول) تم خداعهم، بحيث ان ما حصلوا عليه كان على النقيض مما خرجوا من أجله، والغربب ان الخدعة ما زالت تنطلي عليهم، والعرض المسرحي الكاذب مازال مستمرا. وربما تتعاظم الخدعة فتأتي بسودان بديل، عوضا عن نظام حكم جديد.

السيادة الوطنية التي خرج عليها الديسمبريون كان بديلها السيادة الاجنبية التي يرأسها اليوم فولكر وشركاؤه، الوصف الوظيفي الصحيح لفولكر هو انه الحاكم العام للسودان، بكل بساطة لأنه لايمكن تشكيل حكومة او انجاز نظام سياسي في السودان، دون موافقته، وهكذا رجع السودان القهقرى الى ما قبل الاستقلال.

الجيش السوداني الذي لعنه الديسمبريون ويطالبون بتفكيكه، سيكون بديله الدعم السريع، واولى مراحل الاحلال والابدال تبدأ من الاتفاق الاطاري الذي ينص على فك الارتباط الاداري، والاخطر انه يحظر الانشطة الاقتصادية على الجيش، ويبيحها للدعم السريع، واذا نجحت هذه المهمة فإن الجيش السوداني المرتقب سيكون ملكا لرجل واحد، وعلى احسن الفروض سيكون ملكا لأسرة.

الحكومة الداعمة للصحة والتعليم والخبز والوقود، جاء بديلا لها-بفعل الديسمبريبن- حكومة تتبنى سياسة التحرير الكامل، وتسليع كل شيء(يمكن ان تقرأ تشليع).فكافأتهم على ثورتهم اسوأ مكافأة، ومهما يكن الأمر فلن تأتي مطلقا اي حكومة في السودان لتدعم الخدمات الاساسية، وسيكتب التاريخ ان ٱخر حكومة داعمة للخدمات تم نحرها بواسطة الديسمبريين.
ظن اهل ديسمبر ان مشكلة دارفور محض نتاج ل(عنصرية وغرور) وليست وليدة مظالم جزء منها حقيقي وبعضها مصطنع، فهتفوا في وجه الحاكم(كل البلد دارفور)، وما ان جاءت حكومة الديسمبريين حتى فوجئوا بالفعل ان كل البلد اصبحت دارفور، ولكن بصورة اخرى غير التي كانوا يتوقعون.

اما الدولة المدنية التي هتف من اجلها اصحاب ديسمبر، فقد انتجت لهم نظاما سياسيا قوامه، اربعة قادة مليشيا اعضاء في مجلس السيادة بالقصر الجمهوري، وثلاثة قادة ميدانيين وزراء على وزارات ايرادية، وقائد مليشيا حاكم على خمس ولايات، هذا بالاضافة الى قائد الجيش. لتكون اكثر الحكومات عسكرة على مر تاريخ السودان.

لم تشفع علامات الشؤم التي لاحت من دول الربيع العربي، ولم تنفع صيحات العقلاء بأن سيرورة التغييرات في السودان لا تنتج بديلا افضل، ولم تنجح محاولات بذلت(من داخل كابينة القيادة) من اجل تغيير سلس, لقد تبنى الايدلوجيون الجدد شعارا اعمى (تسقط بس).
هل من”غنيم” سوداني وسط الديسمبريين، ليحدثنا عن الفكرة الخضراء، والواقع القاحل.

مالك محمد طه