بالصورة.. شوارع “داون تاون” الخرطوم.. لماذا شيدت على نسق العلم البريطاني؟
الناظر إلى تخطيط الشوارع الرئيسية في العاصمة السودانية الخرطوم، يلحظ دون عناء كثير أنها شيدت على نسق العلم البريطاني، الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، كما يطلق عليها وقتها. فما القصة؟
من المعروف أن اللورد كتنشر باشا أول حاكم بريطاني على السودان، كان يخطط لإقامة مدينة حديثة على النمط الأوروبي، وعلى نحو خاص النمط البريطاني الذي ظهر جلياً في تخطيط الشوارع على نسق العلم البريطاني وهندسة المباني الجديدة على الطراز الفكتوري الفخيم.
لذلك نجد أنّ الشوارع الرئيسية بوسط البلد أو “الداون تاون” كما يقال، شيدت بتلك الطريقة منذ أكثر من 120 عاماً ولا تزال على ذات النسق إلى يومنا هذا.
الشوارع المذكورة تطل على أهم المقرات بالدولة، وعلى رأسها القصر الجمهوري (سراي الحاكم العام) وغالبية الوزارات كالعدل والداخلية والمالية والثقافة والإعلام والزراعة والصحة والري بالإضافة لمباني جامعة الخرطوم وثكنات الجيش الإنجليزي.
خطوط ومربعات العلم البريطاني
يقول المؤرخ السوداني، الدكتور محمد إبراهيم أبو سليم، في مؤلفه القيم، تاريخ الخرطوم: كان قوام مدينة الخرطوم التي اختطها كتنشر باشا ثلاثة شوارع رئيسية تسير شرقاً وغرباً في محاذاة النيل.ثم أربعة شوارع رئيسية تسير شمالاً وجنوباً. وعند تقاطع هذه الشوارع تتكون مربعات كبيرة من الأرض تحيط بها هذه الشوارع من كل جهة، وقد قسمت هذه المربعات بستة شوارع تقطعها شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً في محاذاة الشوارع الرئيسية وهكذا يصير لدينا 16 مربعاً في داخل كل مربع كبير يبلغ كل منهما نحو 500 ياردة مربعة. وبما أن هذه الشوارع متصلة ببعضها البعض فإن هذه الشوارع تربط أطراف المدينة بوسطها في اتجاه مائل يعترض الاتجاه المستقر على اتجاه النيل. وعند التقاء الشوارع الرئيسية والشوارع المتقاطعة تتكون مربعات صغيرة يدرك الشبه بينها وبين العلم البريطاني وهذا ما أراده اللورد كتنشر، كما يقول الدكتور محمد إبراهيم أبو سليم إنّ القائد البريطاني لم يكفه رفع علم أمته على القصر المتهدم، فشرع يرسم هذا العلم على أرض المدينة.
خيلاء أبناء الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس
ويعزو أبو سليم تصرف كتنشر لعدة عوامل، بينها خيلاء البريطانيين من جيل اللورد كتنشر الذين كانوا يرون أنفسهم فوق الناس وحضارتهم فوق كل الحضارات وعلمهم هذا رمز لكل هذه العظمة والإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس. وأيضاً أن كتنشر كان يود حفر اسمه في كل مكان بالخرطوم.
أهدافٌ عسكرية بحتة
ويقول الدكتور محمد إبراهيم أبو سليم إن الهدف الأكبر في المقام الأول كان عسكرياً، إذ إن مدفعاً واحداً يُوضع في ميدان من الميادين الدائرية الصغيرة يمكنه السيطرة على قطاع كبير من المدينة سيطرة تامة. كما أنّ الشوارع المتقاطعة تسهل الانتقال من طرف لآخر وتقرب المسافات، ما يؤثر بوضوح في مقاومة المظاهرات والمواكب، إذ إن كثرة الشوارع المتفرعة من هذا الموضع واتجاهها إلى مناطق متفرقة يسهل استيعاب جماهير المظاهرات، وبالتالي يقلل من احتمالات الاصطدام بين الجماهير والشرطة ويضمن تشتت المتظاهرين وتفرقهم.
مهارب سريعة
وهناك آراء أخرى تشير إلى أن البريطانيين أعدوا خطط الهروب، عبر مهارب سريعة، عند اندلاع أي ثورة ضدهم على غرار الثورة المهدية التي انتهت بمقتل الجنرال غردون، الحكمدار العام، وأشهر قائد إنجليزي بالسودان، داخل سراي الحاكم العام (القصر الجمهوري حالياَ) في 26 يناير 1885م. ويعضدون تلك الآراء بأن جميع الشوارع الرئيسية متصلة بشارع النيل. أيضاً المقار السيادية وثكنات الجيش الإنجليزي تطل كلها على النيل.
أنفاق تحت الأرض وسراديب سرية
كما يقال إنهم أنشأوا شبكات أنفاق تحت الأرض وسراديب سرية تصل بين المقار السيادية وثكنات الجيش الإنجليزي ومطار الخرطوم – بعد تشييده -، لذات الغرض. تلك الأنفاق والسراديب، كشف النقاب عن بعضها وبينما لايزال الغموض يحيط بالبعض الآخر. وفي أغسطس 2020 كُشف عن قبو ضخم أسفل وزارة المالية، يمتد من الوزارة، إلى القصر الجمهوري، شرقا، وإلى الفندق الكبير ” قراند هوتيل” غربا.
أيضاً، هناك سبب مغاير يتمثل في أن الخرطوم منطقة ذات مناخ قائظ، لذلك فإن الإقامة قريباَ من النيل يمكن أن يجعل الوضع مُحتملاً إلى حد ما.
ومن المعروف أن اللورد كتنشر باشا حكم السودان في الفترة من 2 سبتمبر 1898 إلى 19 يناير 1899. ودخل الخرطوم فاتحاً بعد انهيار الدولة المهدية إيذاناً ببدء عهد الاستعمار الثنائي، الذي طوي، برفع عَلم الاستقلال في الأول من يناير 1956م على يد الزعيم الأزهري.
العربية نت