رأي ومقالات

ابو ضفيرة: شرحبيل أتاح بطء الإيقاع له أن يتأوه بما لو سمعه بوب مارلي لاستعاره منه


قلت: “لا ريب في أن إيقاع الريجي البطيء الذي ينزلق إليه عازف الطبل في “الليل الهاديء” لشرحبيل أحمد والوسيط لدى بوب مارلي في “ريجي ميوزك” والسريع العاجل لدى عثمان حسين في “ليالي المصير” ثلاث لوحات لمجنح يعلو لدى شرحبيل في رقصة حزنه ويهبط متأرجحا بين الجهات ويَكثُر صعوده متأوها قبل أن يهوي ليلتقط حركاته قبل السقوط. ولطائر آخر لدى بوب مارلي يجمع في رقصته بين الشعور بالحزن والشعور بالفرح. ولعصفور مغرد في “ليالي المصير” حذرٍ في تغريده رغم إطلاقه العنان لفرحه الجزيل:
يا ليالي المصير قولي لخلنا
أوراق الخريف ثارت حولنا
يا ليالي الرجاء عودي علنا
إن لاح الضياء يبدو ظلنا
في عرض السماء في دنيا المنى
يا ليالي الأمل قولي لخلنا
البدر اكتمل والدنيا سنا
لا الجرح اندمل ولا عطفك دنا
هناك إنت وأنا، أنا هاهنا
يا ليالي المنى هل ما فات عاد
آآحبابنا على عهد الوداد
هل إنت وأنا كلنا في السهاد
سوا كلنا​.
أما لدى شرحبيل فقد أتاح بطء الإيقاع له أن يتأوه بما لو سمعه بوب لاستعاره منه ليزن الحزن الذي زاد عليه فرح الريجي الوسيط. ولسمعت طبول “ريجي ميوزك” ودفوف لويس آرمسترونج وفرق الجاز الأمريكي ضربات ما أعجب توافقها مع آهات المغني وتواقعها مع معاني الشجن والأسى الذي ينقله الصوت والإيقاعات.
وإن كان الجاز بطريقته في التأليف الموسيقي وآلاته مستوردا فالريجي أصيل في الإيقاع السوداني.
إيقاع “ليالي المصير” صار سريعا لتنفيذه ثلاث ضربات متتالية لا يفصل بينها شيء. وإيقاع “ريجي ميوزك” صار وسيطا بين السرعة والإبطاء بتنفيذ سكتة كأنما لا وجود لها بعد الضربة الأولى ثم يكمل الضربات الثلاث وتكاد لا تشعر بالسكتة المتلاشية بين الضربتين الأولى والثانية. وهو ما يمنح الإيقاع نوعا من الاحتفال والحبور. وانزلاق إيقاع “الليل الهاديء” من الجيرك المتأني إلى ريجي بطيء تتيحه اللحظات التي يتأوه فيها المغني وتعمل فيها الطبول والطرمبات على ملء الفراغات النغمية فيسرع الإيقاع قليلا فيوافق الريجي البطيء. وتأوهات شرحبيل هنا ومتابعات الآلات وهدوء الضربات أمر يجعل المرء يسأل: “كيف سبق شرحبيل كل مغني الجاز فأدى لحنا جمع بين الحشمة والرقص والتأليف النغمي السامق في إيقاعات وتبادلات ومحاورات بارعة بين أطراف الحدث الفريد؟”

د. صديق الحاج أبو ضفيرة