فساد بنك الأسرة
بعد أن تحول من العمل على محاربة الفقر إلى الخدمات الربحية .. هل سيتدخل البنك المركزي لحسم الفوضى؟
* إدارة الالتزام ببنك الأسرة تؤكد أن إجمالي المبلغ المختلس بفرع النهود ارتفع إلى مبلغ وقدره (145) مليار جنيه.
* (الجريدة) تتحصل على مستندات تؤكد وجود تمويلات ومرابحات صورية تمت ببنك الاسرة.
* ادارة بنك الأسرة تعيد موظف اختلس مبالغ مالية للعمل، وهذا الأمر يؤكد أن إدارة البنك التنفيذية العليا متماهية مع الفساد.
* تورط المدير المالي لبنك الأسرة في مرابحات صورية وصفقة شراء السيارات والمدير العام يرفض فصله من العمل ويقوم بحمايته.
* المستشار القانوني لبنك الأسرة رفض الرد على (الجريدة).
تحكي سيرة بنك الأسرة بأنه يعمل على محاربة الفقر والحد منه من خلال تقديم الدعم المالي للمشاريع ورفع مستوى الدخل للمواطنين، ولكن فيما يبدو أن البنك ضل طريقه وانحرف عن الهدف الرئيسي الذي تأسس من أجله، واتجه للتركيز على العمل في مجال الأعمال والخدمات المصرفية الربحية بدلاً عن التركيز في مسألة محاربة الفقر والحد من انتشاره، وبدأت فكرة تأسيس البنك كمؤسسة تمويل أصغر بواسطة اتحاد أصحاب العمل السوداني ممثلا في أمانة سيدات الأعمال وتشجيع من ولاية الخرطوم والبنك المركزي السوداني في العام 2008م وساهمت عدد من المؤسسات الحكومية في تأسيس البنك، وهذه المؤسسات هي : (بنك السودان المركزي ومعاشي الصندوق القومي واتحاد التأمين الاجتماعي في السودان والأمانة العامه لديوان الزكاة).
(1) اختلاسات ومخالفات مالية:
وشهد بنك الأسرة في الفترة الماضية مخالفات واختلاسات كبيرة، وتحصلت صحيفة (الجريدة) على معلومات من مصدر موثوق به ببنك السودان المركزي أكد انهم تسلموا خطاب من إدارة الالتزام ببنك الأسرة يفيد بأن إجمالي المبلغ المختلس بفرع النهود ارتفع إلى مبلغ وقدره (145) مليار، ويختلف هذا المبلغ عن المبلغ الذي أكده تقرير ديوان المراجعة القومي بغرب كردفان والذي سبق أن نشرته الجريدة.
وأشار الخطاب إلى أن مبلغ الزيادة هو يفوق ( 10) مليار جنيه سوداني، وهي عبارة عن مرابحات صورية تمت إضافتها لجمله المبلغ المختلس، وأشار الخطاب الذي تسلمته إدارة الرقابة المصرفية ببنك السودان المركزي إلى أن المتهم المختلس هو موظف واحد ببنك الاسرة فرع النهود، وأكد الخطاب أن الموظف المختلس دفع مبلغ (60) مليار جنيه، وأشار كذلك إلى أن جملة المبلغ بالمحكمة هو مبلغ وقدره ( 145) مليار جنيه، وأكد الخطاب أن القضية لا زالت بالمحكمة.
(2) تضارب معلومات وأسئلة مشروعة:
ومن خلال المستندات التي تحصلت عليها (الجريدة) يظهر تضارب في المعلومات التي قدمتها إدارة بنك الأسرة لبنك السودان المركزي في خطابها بتاريخ 22/سبتمبر 2022م وهنا يبرز سؤال وهو كيف أن المبلغ المختلس بالمحكمة موضوع البلاغ هو (145) مليار جنيه سوداني والمبلغ المسدد بواسطة الموظف المختلس هو (60) مليار؟ وكيف تم السداد قبل أن تحكم المحكمة بذلك؟ وهل قامت إدارة البنك بتسوية مع المختلسين وما الذي حدث؟ وكيف حدد الخطاب أن المختلس موظف واحد بينما أكد تقرير المراجعة القومي غرب كردفان بأن الاختلاس نفذه مدير الفرع حامد الزاكي ومراقب الفرع ومحاسب الفرع وليس موظف واحد؟
مرابحات صورية وغياب رقابي وإداري:
وتحصلت (الجريدة) على مستندات تؤكد وجود تمويلات ومرابحات صورية تمت ببنك الاسرة.. وهنا يطرح المحقق أسئلة رئيسية وهي: هل بامكان موظف واحد أن ينفذ مرابحات صورية لعمليات مختلفة تفوق مبلغ (10) مليار جنيه سوداني؟ وأين الصلاحيات والتدرج الإداري في الفرع؟ وماذا فعل المدير العام للبنك المدعو صالح جبريل من ضوابط لعدم تكرار ذلك خصوصا أن الجريدة تحصلت على معلومات مؤكدة تفيد بحدوث عمليات تمويل صورية لمرابحات في فروع أخرى؟. كل هذه الأسئلة والمرابحات والتمويلات الصورية التي تمت تؤكد أن إدارة بنك الأسرة لم تقوم بوضع ضوابط تمنع ما حدث في فرع النهود وهذا يعتبر فشل إداري كبير للإدارة التنفيذية للبنك، كما يبرز سؤال أخر يبحث عن إجابة وهو: أين دور بنك السودان المركزي فيما يحدث في بنك الأسرة من تجاوزات وضعف اداري ورقابي على عمليات التمويل في بنك الأسرة والمحافظة على أموال المودعين وسلامة الجهاز المصرفي؟.
(3) حماية المختلسين وتكريمهم:
وأكد مصدر موثوق به من إدارة المراجعة الداخلية ببنك الاسرة أن إدارة بنك الأسرة ارجعت للعمل موظف قام باختلاس مبلغ مالي، والأمر الذي يدعو للدهشة هو أن ذات الموظف قام باختلاسات أخرى بعد ارجاعه للعمل مرة أخرى!؟ وتعدى على حسابات العملاء بالخصم منها واضافتها لحسابات عملاء أخرين ثم سحبها لصالحه، وهذا يوضح أمرين أما أن ادارة البنك التنفيذية العليا المعنية بوضع لوائح ونظم رقابة قوية لحماية اموال المودعين ضعيفة، أو إدارة البنك التنفيذية العليا متماهية مع الفساد. وهنا يبرز سؤال آخر وهو: أين دور بنك السودان المركزي في متابعة ملفات الاختلاس لموظف ثبت انه اختلس، ومعلوم أن الأمر الصحيح هو فصله عن العمل وتحريك إجراءات قانونية في مواجهته وليس مكافأته وارجاعه للعمل مرة أخرى!! ولكن من خلال الواقع اتضح لمحقق صحيفة الجريدة أن بنك الأسرة وبنك السودان المركزي قاما بحماية المختلس وتكريمه بارجاعه للعمل دون محاسبة جنائية وإدارية.
المدير المالي والمرابحات الصورية:
وتحصلت صحيفة (الجريدة) على مستندات تفيد بانه تمت مرابحات صورية تورط فيها المدير المالي للبنك المدعو (محمد صلاح) عندما كان مديرا للفرع الذي حدثت فيه التجاوزات، وان المدير العام صالح جبريل لم يقم بإيقافه عن العمل، فيما قامت إدارة البنك بإجراء تحقيق مع موظفة بالفرع علما بأن هذه الموظفة تعمل ضابط تمويل بالفرع ولا تقوم باجراءات التمويل بمعزل عن تصديق مدير الفرع ولجنة الاستثمار بالفرع. وهنا يبرز سؤال مهم وهو: لماذا تم التحقيق مع الموظفة بمعزل عن مدير الفرع محمد صلاح ولجنة الاستثمار بالفرع؟ ولماذا لم يتم ايقاف الموظفة عن العمل كليا حتى سافرت خارج البلد وكيف سمح لها بالسفر؟ فيما تفيد المتابعات بأن الوقت كان كافي بين إجراء التحقيق وتاريخ سفرها.. وهل نقل رئيس لجنة التحقيق معها مباشرة بعد التحقيق اجراء طبيعي؟ فيما تفيد المتابعات أن المدير المالي للبنك تم توقيفه عن العمل لاشتراكه في تجاوزات إدارية ومالية في مسألة صفقة شراء سيارات للبنك، ولكن تم إرجاعه لنفس وظيفته مديرا للإدارة المالية للبنك بتاربخ 29/ يناير 2023م. ولتحقيق مبدأ الدقة والتوازن والموضوعية والنزاهة والمهنية تواصل محرر صحيفة (الجريدة) مع المستشار القانوني لبنك الأسرة وأرسل إلية عدة رسائل وطرح عليه أسئلة التحقيق ولكنه رفض الرد.
فشل التنمية الإجتماعية:
وانتقد بعض الخبراء الاقتصاديين آداء بنك الأسرة، فيما اعتبر اخرون ما حدث من تجاوزات إدارية ومالية، وإهدار لموارد كفيلة لاخراج عشرات الأسر السودانية من دائرة الفقر وتحسين مستوي معيشتهم.. لكن فيما يبدو أن بنك الأسرة الذي يعمل في مجال التمويل الأصغر ومحاربة الفقر والذي يتبع لوزارة التنمية الاجتماعية التي يقودها احمد ادم بخيت القيادي بحركة العدل والمساواة يبدو أنه لا يريد للفقراء خيرا، وهذا يعتبر مؤشر حقيقي لفشل قطاع التنمية الإجتماعية الذي هيمنت عليه حركة العدل والمساواة والذي سنكشف تفاصيله في الحلقات القادمة.
الخرطوم – عبدالرحمن العاجب
صحيفة الجريدة