عادل عبد العاطي: انقلاب فاغنر الفاشل وقراءة احتمالات المستقبل
# انتهى انقلاب فاغنر الذي لم يدم اكثر من 24 ساعة باتفاق توسط فيه رئيس بيلاروسيا المتحالفة مع روسيا ، قضى بانسحاب قوات فاغنر الى قواعدها وسحب القضايا الجنائية ضدها وضد قائدها، وخروج بروغوجين الى بيلاروسيا غالبا باموال طائلة.
# ورغم تضارب الاقوال عن الاتفاق الفعلي بين ما اعلنه زعيم فاغنر والناطق بإسم الكرملين إلا ان الواضح هو فشل الانقلاب والهزيمة السياسية لقاىده بعد ان كان على بعد 200 كلم فقط من موسكو التي لا يوجد فيها جيش.
# لقد تابعنا كيف كانت حالة الدفاع عن موسكو : حفر الحفر في الطريق لتأخير وصول القوات ، جلب الناقلات المليئة بالرمل وتكوين قوات بشكل عاجل من الجرس الروسي والشرطة وحرس الكرملين. لم تكن هذه التحصينات شبه المدنية لتوقف هجوم قوات عسكرية مجهزة لحرب المدن.
# ان موسكو مدينة كبيرة ولكنها غير محصنة، إذ كان الروس دائما يهاجمون منها، ويديرون معاركهم في بلاد اخرى بعيدة عنها. في خلال تاريخها حاول الكثيرون احتلالها ولم يصلوا لها قط. فقط البولنديون هم من احتلوها لفترة بسيطة بينما هزم الجنرال الجليد كل من نابليون وهتلر قبل الوصول اليها.
# في اللحظة الحالية فإن الدفاع عن موسكو هو دفاع ضد الهجمات الجوية والصاروخية، ولا توجد بها قوات كبيرة ، وذلك بسبب وهم انه ليس هناك مجنون سيقوم بهجوم بري على موسكو. بروغوجين ادرك هذا الضعف وهاجم موسكو معريا المدينة وامبراطورها المجنون.
# لقد حصل بروغوجين على دعم من وحدات عسكرية كثيرة وجزء من الراي العام الروسي، تبدى ذلك في استقبال قواته ووداعها في مدينة روستوف ، كما كان موقف حياد الأدارات المحلية لصالحه اكثر منه ضده.
# في المحصلة كانت فرص نجاح انقلاب بروغوجين حوالي 55% في تقديري، ولكنه جبن في آخر لحظة أو ربما هي عقلية المرتزق الذي يفضل المال دائما. ربما ايضا تم تهديده بقصف قواته بقنابل نووية تكتيكية وهو الامر الذي طالما هدد به بوتين الاوكرانيين. ربما أدى ايضا تحرك قوات ( اخمت ) الشيشانية تجاه مدينة روستوف واحتمال انتزاعها منه الى الاطاحة بخطته في السيطرة على مواقع الإمداد التي تحدثنا عنها في المقال السابق.
# عموما يمكن القول ان اسباب فشل الانقلاب العسكرية تكمن في ضعف عددية قوات فاغنر ( 25 الى 50 الف ) في مواجهة قوات اخمت (15 الى 30 الف) والحرس الروسي (300 – 350 الف) وقوات جهاز الامن الروسي ( غير معروف العدد ) والحرس الاتحادي (حوالي 50 الف) ، رغم انها تفوق كل هذه القوى فيما يتعلق بالتجربة والإنصياع ووحدة القيادة .
# الاتفاق الحالي ربما حفظ ماء وجه الطرفين. فمن جهة حمى موسكو من الهجوم واحتمالية سقوطها ونزع بوتين من الحكم، بينما حمى بروغوجين من احتمالية الفشل وخسارة قواته بضربة نووية أو هجوم طيران كاسح أو حرب أستنزاف طويلة الامد .
# بوتين مع ذلك لن ينس ولن يغفر ما يعتقده من خيانة بروغوجين ولا الرعب الذي دخل فيه يوم أمس. الرجل قال من قبل انه يمكن ان يغفر اي شيء إلا الخيانة. في خطابه وصف انقلاب بروغوجين الفاشل بأنه خيانة. والخيانة تحتاج الى عقاب. ايضا يمكن ان يمارس المزيد من الوحشية في اوكرانيا لاستعادة هيبته التي تزعزعت.
# في اللحظة الحالية يعمل الرجلان على اعداد سيناريوهاتهما القادمة. قد يظن بروغوجين انه من بيلاروسيا يمكن ان يعيد الكرة ولكن الفرصة لا تأتي في الحياة مرتين. قواته نفسها لن تدعمه بنفس القوة وكذلك من وقف معه من الجيش والمخابرات والادارة العامة والجمهور. ادرك هؤلاء انه رجل ضعيف يمكن ان يتراجع في نصف الطريق. روسيا يمكن ان تغفر اي شيء إلا الضعف.
# من جهته سيعمل بوتين على اخضاع فاغنر للجيش الروسي وقد يعمل على تقليص نفوذ غيرها من المليشيات مثل مليشيا قاديروف (اخمت) ومليشيا شركة غازبروم. قد يستبعد ايضا الجنرالات الفاشلين في قيادة الجيش ولكن هل هناك اي بدائل حقيقية لهم في الجيش الروسي غير دعاة التدمير الشامل والقوة الغاشمة ؟! لا اعتقد.
# هناك قوى عسكرية روسية اخرى بالمقابل مثل فيلق حرية روسيا وفيلق المتطوعين الروس الذان يحظيان بدعم من المخابرات الاوكرانية، والذين أثبت لهم انقلاب فاغنر الفاشل هشاشة الدولة الروسية والجيش الروسي ، ومن ثم ستكون هجماتهم القادمة اكبر و أوسع وتوغلاتهم اعمق.
# الجيش الاوكراني نفسه قد يرى ان من الافضل له الهجوم في مدن روسيا نفسها ضعيفة الدفاعات ، بدلا من مهاجمة القوات الروسية المتحصنة بقوة في اوكرانيا. ايضا يمكن ان يتخلى الغرب عن حذره ويبدا تسليح اوكرانيا بالتسلحة الثقيلة والطائرات والصواريخ بعيدة المدى ويترك الخوف من تصعيد روسيا المزعوم.
# لقد أثبت انقلاب فاغنر هشاشة الدولة الروسية وأنها من دول العالم الثالث حيث يمكن ان يهددها مرتزق ومليشيا. اثبتت ايضا ضعف بوتين وفقدانه السيطرة على قواته التي خلقها بنفسه. هذا سيكون له تأثير سياسي كبير حيث سيبدا من يحلمون بخلافته صراع الخلافة الدموي.
عادل عبد العاطي
25 يونيو 2023م