بدوي أب سن .. رحيل الراسخين
رُزئت مدينة النور رفاعة مساء الخميس 6 يوليو 2023 بوفاة احد أساطين السياسة والثقافة والأدب ، وأحد أعمدة آل أبوسن وقبيلة الشكرية الرائد السياسي والقطب الإتحادي والمثقف الحافظ الأستاذ بدوي محمد يوسف أبوسن والذي لبى نداء ربه بعد عمر حافل بالعطاء الجزل والتحديات الجسام .
بدأ عم بدوي مسيرته السياسية والمهنية في العام 1965 ضمن طليعة الجيل الثاني من رواد الحركة الوطنية السودانية ، وقتها كان كادرا طلابيا بالحزب الوطني الإتحادي برئاسة الزعيم الراحل إسماعيل الأزهري الذي ربطته بالراحل صلة التنظيم والمؤسسة الإتحادية ثم ما يكنه الزعيم الأزهري من محبة وود محفوظ لأسرة الراحل مع التقدير لدورهم الوطني المشهود .
واصل عم بدوي مسيرته السياسية نقابيا ثم برلمانيا وتنفيذيا قرابة النصف قرن ، ظل فيها ممسكا بعنان مبدئه عاضا بالنواجز على مبادئ وقيم الوطنية الحقة ، مع التزام وطني صارم وحس قومي رفيع متوجها بكلياته نحو ما ينفع الناس تاركا الزبد يذهب جفاء .
ورغم ذلك العنت السياسي والمشقة لم تغب عن الراحل بطانة أسلافه وهوية إنسانها ثقافة وشعرا وأدبا ودوبيتا بما في ذلك من جميل الوصف ورفيع المعنى وحسن التشبيه وصادق التعبير ، فأنكب الراحل يعالج ذلك بما له من ملكة التحليل والنقد والتذوق مقدما خلاصات ما يجيد في برامج ولقاءات تلفزيونية وإذاعية ومجالس أدب وسمر ، باذلا مكنونات هذا الإرث لرواده والمهتمين .
وقبل السياسة والثقافة كان عم بدوي الإنسان والكادر العضوي المرتبط بهموم مجتمعه المنحاز لمنطقة البطانة بنهرها وبحرها وسهلها وجبلها رغم كسبه وجهده على المستوى القومي ، فهو البشوش الخدوم الواصل لأهله والمستمع الجيد لمشاكلهم وآرائهم ، المؤنس المؤانس والمألوف المؤالف ، والذي كلما حضرت معه وجدته مستحضرا معاناة الناس وما يكابدون من شظف ، لذلك كان رغم انه كان سياسيا معارضا إلا أنه لا يختلف مع من يعارضهم في ما ينفع الناس ويحقق لهم ولو جزء يسير من حقوقهم ، فكان برغم عاطفته المشبوبة والصادقة تجاه قضايا الناس إلا أنه شخص واقعي لا يميل للمزايدة ولا العنتريات الجوفاء .
أذكر في 2011 سألني: ناسك ديل (يقصد المؤتمر الوطني) مودين البلد لوين؟ كان يحسن الظن بي لدرجة الإعتقاد بأن كادر طلابي في الصف السادس من الهرم الحزبي يمكنه أن يعرف إلى أين تتجه سياسة الدولة ؟ في الوقت الذي لا يعرف إجابة هذا السؤال عدا الخمسة الكبار أو (الكباتن) وفقا لتسمية ذلك الوقت ، يسألني عم بدوي وهو الذي شارك -وهو في سني- في وضع مواثيق ولوائح وتوجهات حزبه التنفيذية والسياسية، لم يحول بينه وبين دوره الوطني (الكباتن) والجوكية الأوصياء .
ثم قبل ذلك كان عم بدوي الأب .. صديق أبنائه وأخيهم ورفيق إهتماماتهم وهمومهم ، الرجل البارع في كسر حواجز السن وفوارق التجربة ، رجل بقامته يدير حوارا ونقاشا مع أقلنا معرفة وأرقّنا تجربة ، يصحح أخطائنا بضحكته الهادئة المنغمة ، يقيّم تجاربنا بصبر وعناية ، يمدح ممارستنا لتلك التجارب حتى وهو مختلف معها ، يعجبه النضج ويحفزنا على التعلم من أخطائنا يقينا بأن الإنسان ما هو إلا خلاصة تجارب وحزمة أخطاء يدفع الثمن ليعرف أكثر .
رحم الله عم بدوي وجعل البركة في بنيه وألهمنا الصبر والسلوان ..
يوسف عمارة أبوسن
9 يوليو 2023