رأي ومقالات

عادل عسوم: عم عطية، وعم عبدالرحيم

عم عطية، وعم عبدالرحيم.
عادل عسوم
ألا رحمك الله ياعم عطية…
لم أرَ خلال ما انصرم من سني عمري رجلا متصالحاً مع نفسه مثل عم عطية!
لقد كان من رجال (البركل) الذين لايمكنك تخطيهم عندما تشرع في احصاء من لهم فَوْت وقَدْرٍ في البلدة، فإن ابتدرت بالعمدة والشيخ؛ لا أخالك الاّ آتياً على ذكر اسم عم عطية ثالثاً على أقل تقدير…
فالرجل يفرض عليك نفسه بالرغم من كونه ليس من أصحاب الأموال أو الجاه…
لن أنس يوم وقف في فناء جامع العبدلاب مما يلي المزيرة، فرفع صوته متحدثا إلى شاب من شباب المنطقة أحسبه قد غمطه بكلمة ازجاء فرد عليه قائلاً:
– شوف ياولدي، ربنا دا باقيلك كان غالبو يخلقني محل أبوك، ويخلق أبوك مَحَلِّي؟!…
قال ذلك ثم يمم خارجا من الجامع والإبتسامة لا تبارح محياه!
لم يكن يملك من حطام الدنيا سوى كارو وحصان يعينانه على عمله ك(عتالي) في سوق كريمة، في معية العديد من رجال البركل ممن امتهن ذات المهنة، يستعين عليها كذلك ب(كارو وحصان) أيضا…
اتذكر عم عطية دوما كلما استمعت إلى رائعة راحلنا حمّيد (عم عبدالرحيم)!…
تنبري الكلمات من فِيْهِ حمّيد ليرددها (أبو التي تي) وتحوِّم ما بين ذُرا جبال نوري وجبل البركل والكاسنجر، لتهبش في الناس مواطن الايغال في الارتباط بهذه الديار الحبيبة:
فتّاح يا عليم
رزّاق يا كريم
صلى على عجل
همهم همهمة
حصّن للعباد .. وهوزز سبحتو
دنقر للتراب .. هم فوق هم هما
صنقع لى السما
وكان فى الجو فى غيم
وكم نجمات بُعاد
وكان الدنيى صيف
لا قالتلوا كيف
.. كيف أصبحت .. كيف
لا لمسة وداد
لا لمسة حنان
لا رمشة طِريف
من قلباً وفى
زى أيام زمان .. أيام الدِفِى
كانت ماها فِى .. كانت فى المراح
شدَّتلو الحمار .. تحلب الغنم لى شاى الصباح
والطير ما نضم .. ما رسـّل نغم.
ذات ال(بوح) أجده يخاطب خيال وهامة عم عطية ياأحباب…
فلان كان المشدود لعم عبدالرحيم حماراً …فانه لدى عم عطية حصان..
ويواصل (أبو التي تي) ترديد صوت راحلنا حميد وهو يهوم في السوح والفضاءات بأن:
عم عبدالرحيم
إتوكـّل نزل .. فى المُشرَع لِقَى
زُملان الشقا
الجا من الجريف .. الجا من الجبل
علْ الناس بخير
صبّح هاظرُمْ .. نقْنقْ ناقَرُمْ
غاظوهو .. ونعَل
وعم عبدالرحيم ما بخَبِر زعل
كل الناس هنا ما بتخبِر زعل
تزعل فى شِنو .. وتزعل من منو..
كل الناس هِنا .. كل الناس صِحَابْ .. كل الناس أهَل
والماهُم قُرَاب .. قرّبـُمْ العمل
الطاق اليَطُقْ .. عشتْ .. آ .. أبوالزَمَل
بى الحال العليك .. بى الفال .. بى الأمل
عم عبدالرحيم ..
كُتْ فلاح فى يوم
فى إيدك تنوم .. على كيفك تقوم
لا دفتر حضور .. لا حصة فطور
تزرع بالقمر .. تقرع بى النجوم
لكن الزمن .. دوّار .. آ .. بِدُوم
عم عبدالرحيم ..
ماشى على الشغل
فى البال القديم .. من عار التُكل
تنشايح جِراح
.. كيف الغُسُل
الدِنيِى أم صلاح تبدا من التُكُل
من حِجـّة صباح .. فى حق المُلاح
فى الغُبُن الجديد .. فى القسط القديم
وبيناتِن عشم .. فى الفرج القريب….
ذات ال(شُغُل) الذي ييمم صوبه عم عبدالرحيم هو (شُغُل) عم عطية…
فان كان ذاك يذهب اليه عم عبدالرحيم بالحمار فان عم عطية (شُغْله) على ظهر كارو ملحق بحصان له أسود اللون …
والمشرع هناك يقابله موقف (الفوردكيهات) هنا -في السوق الفوق- في كريمة…
وذات الناس (هناك) يحكي حالهم حال أولئك…
حيث ما فتئت تتمدد مقولة حمّيد الثاوية في أفق الزمان كما قوس قزح:
(وايه الدنيا غير لمة ناس في خير أو ساعة حزن)!
ثمّ تنبري (أمونة):
أمونة الصباح ..
قالتْلُو النـِّعال والطِرقى .. إنَهَرَنْ
ما قالتْلُو جِيب
.. شيلِن يا الحبيب غشّهِن النُقُلْتـِى والترزى القريب
بس يا ام الحسن ..
طقّهِن .. آ .. بِفيد .. طقّهِن .. آ .. بزيد
إنطقّن زمن
وإن طقّ الزمن .. لازمِك توب جديد بى أيـّاً تمَن
غصباً لى الظروف .. والحال الحَرَنْ
شان يا أم الرحوم .. ما تنكسفى يوم
لو جاراتن جَنْ .. مارقات لى صُفاح
أو بيريك نجاح
ده الواجب .. إذن
وأيه الدِنيِى غير .. لمّة ناس فى خير
أو ساعة حُزُن
يااااااه
ذات أمونة عم عبدالرحيم لها رصيفة هنا …حيث (مُقْطَعَ البَحَر)!
على محياها ذات الشموخ…
وفيها ذات الشلوخ…
وذات الحُبّ النبيل كالقمرِ البَذُوخ!
لكن…
عم عطية ترجح كفة ازجاء الزمان له بأثقال تنوء بكاهل الرجال ياأحباب…
ازجاءٌ… لعله نتاجٌ ل(مباشرة) أهلنا في تلك الديار!
انه التنميط الذي ينأى عن ترجيح الله الخالق للناس أبيضهم وأسودهم بال(تقوى) وليس باللون…
لكن عم عطية احتمل الازجاء…*
احتمله لثقته في رجحان وجدان الناس بالخير والسماح…
وذاك لعشرة السنين وتداخل الأعوام…
لذلك لم تنكسر له هامة…
ولم يتلعثم له لسان وهو يقول للذي أزجاه يوما في جامع العبدلاب من تالا المزيرة:
-ياولدي انت ربنا دا كان غالبو يخلقني محل أبوك ويخلق أبوك محلي؟!.
كم أجد نفسي وقَّافاً بين يدي حديث المصطفى صلوات الله وسلامه عليه:
(ليس الشديد بالصُّرعة وانما الشديد من يملك نفسه عند الغضب)!
حقاً فان السيطرة على النفس ساعة الغضب لأمر لا يستطيعه الاّ ذو شكيمة…
وكم يكون الغضب عظيما عندما يكون نتاج (ازجاء) ياأحباب…
ولاغرو أن العديد منا قد ذاق مرارة الازجاء عندما انبثثنا في هذه المنافي فتعرضنا الى شئ من ازجاء شفاهة كانت أو حتى بنظرة…
اذ في الخاطر دوما مقولة جدتي رحمها الله (من خرج عن دارو قلّ مقدارو)…
يومها…
كم استبد بي الغضب!
أأُزْجَى وقد نشأتُ النشأةَ التي أعلم وجبل البركل قد اتخذ اسم جدِّي له اسماً والفمُ مني ما فتئ يردد رائعة عثمان حسين (أنت يانيل ياسليل الفراديس)؟!
لكني سرعان ما عُدتُ لنفسي فأطرقت ملياً وواسيتُ نفسي قائلاً:
-ياخي أنا غريب في البلد دي والمثل بقول المابعرفك بجهلك…
ولكن…
ما بال الازجاء ان حدث للمرء منا في وطنه وفي عقر داره؟!!!
(عم عطية) كم نابه الازجاء ياأحباب…
لكنه لم ينحني…
ولم ينكسر…
وظل سامقاً كالنخلة تنفح الحاصبين لها بالتمر!
فكم من أقمار تستعلي فوق سُحُب الأحزان وتعشعشُ على قمم الأسى وتظل ماثلة في وجدان كل منّا ما أشرقت على الدُنا شمس وما تتالت سنواتٌ وشهور…
فيوضُ أنوارها تغمرنا كلما استشرفناها في حنايا الذاكرة …
أذ هي دوما مفعمة بكل الجمال والصدق والألق…
لان كان القمر (الذي نعلم) يغيب نهارا فهي تبقى مضيئة ماتعاقب ليل أو نهار…
ولان أضاءت لنا الشمس الدروب فهي تضئ منّا الدواخل والوجدان…
(عم عطية) ما فتئ قمرا تتبدى منه الكثير من خيوط الضوء وغلالات التأسي والاعتبار…
اللهم رحماك وغفرانك وأعالي الجنان في رفقة الحبيب المصطفى صلاتك وسلامك الأتمان عليه…
ومافتئ صوت عم عطية يتردد في الافاق (فتاح ياعليم رزاق ياكريم) وهو يهيئ حصانه وقد فرغ لتوه من أداء صلاح الفجر في الخلوة…
حبات مسبحته الطويلة تتالي كما سنوات عمره الذي ناهز الستين لكنه لم يزل متماسكا او كما قال يوما لعم سيداحمد وهو يقهقه ضاحكا:
اتو ياعمدة اهلكم ورثوكم القرش لكن نحنا اهلنا ورثونا الخشب الكبار دا وبرضو كتر خيرم…
وينطلق بالكارو بذات همهمة رصيفه عم عبدالرحيم والدنا لم تفرغ بعد من الانعتاق عن اسار قيود الليل وانفاس الحياة تبتدر تمشيها في مفاصل البلدة بين يدي شقشقة العصافير المتزاحمة علي كثيف اشجار النيم التي تزدحم بها طرقات البركل وهديل الحمام الذي تكتظ به (ابراج) الببيوت مختلطا بثغاء بعض شياه ونهيق حمار…
وما ان يدلف الحصان الي شارع العربات منعطفا من (زقاق) جانبي الا ويرتفع صوت عم عطية بالبراك الذي يحفظه عن ظهر قلب ولاغرو فالرجل قد نشا ختميا محبا للمراغنة:
بحقِّكَ يا طه نُرَجى المقاصدا
لأنَّ بكَ الأخيار تعطى المناجدا
ومنكَ ينالُ الواصلون المعاهدا
وعنكَ يحوزُ العارفون المحامدا
فمن تُدنهِ أدنى ومن لا فلا
صبغ اغثني وكن لي حيث ما كنت جيرني
من الذنب والزلات جدي اقيلني
وفي النفس امرا قضينه معينني
من السوء والأهواء طه أعيدني
واصلح لي حالاً مالاً مبلغُ
واقبل لدحى والبسنة لبهجة
واجعله مقبولاً بدنيا وجنَّة
جزائي عليهِ الجوارُ بطيبَة
مماتاً وفي الجنّات أتبع بُنوَّتي
وصحبٍ عليك اللَه صلى مسَبَّغأ
لا المصطفى ذا المدحُ قال النايخلا
به تطرَبُ الأملاكُ ذا حيثُ ما يُتلى
بهِ تَطرَبُ الأخيار إذ ما يكُن يُجلابه
ائتنِس في كل جمعٍ إذا يُملى
لك الفوزُ في الدارين تاليه يبلُغ
بِنَومي كذا قد قال أيضاً لنا
يفى محافظهُ لو فردت بيتٍ ويسعفى
بمجلسنا يُنشَد فتَحضُرُهُ الصفى
وإلّا بمجلسكم سينشد
احضرفي قراءته يُحظى حظّاً لا يُفَرِّغ
واختِمُ قولي بالصلاة مُعَظِّما
أيا ربَّنا صلى وبارك وسلما
على المصطفى والأل والصحب دائما
صلاةً تفوقُ المسكَ عطراً مُفَخَّما
يطيبُ بها كل الوجود ويتلألأ.
فالمسافة مابين دار عم عطية وسوق كريمة لاتتعدي كيلومترات ثلاث اذ لايفصل مدينة كريمة عن (البركل فوق) سوي جبل البركل الرابض في مهابة وجلال منذ قرون لايعلم عديدها الا الله…
ما ان يصل (كارو) عم عطية الى بدايات سوق كريمة مما يلي موقف (الفوردكيهات) التي تصل كريمة بمروي الاّ ويُنبيهِ أحدهم بأن (ود القنديل) يرجوه بأن يكون أول من يأتيه قبيل انطلاقه الى بقية التجار…
فاذا به يرد عليه ويقول:
-قول للحاج ان بقا لي حكاية أمس ماني جاييك قسم بالله
فلا يلبث العديد من الناس وقد تحلقوا حول عم عطية -ال(رابض) على طرف الكارو وبيده سوط العنج -الاّ قائلين بصوت واحد:
-أيا عم عطية كمان في زول بيابا يسمع كلام حاج ود القنديل؟!
فيرد عليهم ملوحا بسوط العنج:
-انتو شن دخلكم زحوا كدي من قدام الحصان دا واللا أنزل سوطي فوق ضهوركم…
وينطلق عم عطية ليبتدر عمله لدى تاجر آخر!
حكي لي أحد الأعمام من الأهل في البركل بأنه كان قريبا من مسرح الواقعة فحدثته نفسه بأن يذهب الى التاجر ود القنديل ليستفسر منه الأمر ليقينه بجمال وجدان الرجلين وطيب معدنهما فاذا بالحاج ود القنديل يقول له بأنه قد فقد مبلغ مائة ألف جنيه قبل أشهر واحتسبها دَينا هالكاً فاذا بالعم عطية يجدها ملقاة خلف جوالات البلح في المخزن الملحق بمتجره خلال نقله لها الى مخزن آخر وأتاه بها فأقسمت بالله أن يأخذ كامل المبلغ لكن عم عطية أقسم أن لا يأخذ (مليما أحمرا) منها!…
وأضاف الحاج ود القنديل:
-أنا القروش دي والله ياحاج استخلفت الله فيها وعقدت النية وأنا في الحج بي انها صدقة لله فبالله تاخدا وتديها للراجل الطيب دا لأني عارفو مستحق وانت جارو في البركل آاب يرفض لك طلب…
فأخذ محدثي المبلغ وجاء به الى عم عطية في داره بعد أن صليا المغرب سويا في الجامع قائلا له:
-الليلي ماشي اشرب معاك شاي المغرب يا عطيّي
-الشاي بس؟!
حَرَّم جيتك تستاهل الضبيحي ياحاج…
وما ان وصلا الى باب الدار بادر محدثي عم عطية بالقول:
-انت يا عطية ربنا دا بيدِّي الزول من ايدو لي أيدو؟
-لا لا ياحاج …أنا البعرفو ربنا بيجعل لي كلو شي سبب…
-نان وكت عارف كدي مالك كسرت خاطر حاج ود القنديل الراجل الكل الناس عارفا صلاحو وطيبتو؟!
فاذا بالعم عطية يقول:
-لا يبق ياحاج قالك تجي تنضم معاي في الكلام دا؟!
-أيّي والله وياهن ديل القروش وأنا حلف بالله كباية الشاي دي ما أدخلا في سني ولا أدخل بيتك دا تاني ان بقيت كسفتني وكسفت حاج ود القنديل دا…
فاذا بالعم عطية يطرق برأسه فلا يلبث محدثي الاّ ويضع المبلغ في جيب عراقيه ويذهب…
كم تمنيتُ بأن يعيش عم عطية ليرى المدينة الرياضية هذه…
فالرجل قد كان رقما كلما عمد الناس الى عدِّ شواهد الرياضة في كريمة من خلال (دار رياضتها) القديم…
مافتئت صيحاته في أروقة المشجعين تتردد في أذني وهو يهتف بعنفوان:
بركل يلعب
فتتبعه المدرجات بصوت واحد:
جوة الملعب
وحول ذلك تحتشد العديد والكثيف من المشاهد والسياقات التي تستحق التحبير خلال نسيج هذا الخيط الحميم…
عم عطية كان يحب الحياة حبا ينداح منه ليسع كل الناس من حوله!…
لعله كان يؤمن يقينا بان يجهد للعمل لدنياه كانه يعيش ابدا…
وذاك لعمري هو الذي خلد ذكراه…
ويعمل لاخرته كانه سيموت غدا…
وذاك لعمري هو ما جعل الناس يوقنون -فيه-بقول المصطفي صلوات الله وسلامه عليه بان الجنة تجب علي من يزكيه الناس بين يدي موته…
كم كان كثيف الصدقة…
وليس ذلك بكثر مال انما بابتسامة لاتكاد تذبل عن وجهه مهما ادلهمت الخطوب وتداعت علي الناس الاحزان…
فالرجل -حقا-قد كان محبا للحياة…
حبه للحياة قد تمثل في كاريزماه التي احتفرها باظافره في دنا الناس وحراكه بينهم…
فكم كان مؤثرا لاتكاد تخطئ له وجودا وبصمات…
فما ان يتزيا افرد فريق كرة القدم بلبسهم الاخضر والابيض الا وتجده قد امتشق قلبه الهائم والوله بالبركل ليتقدم صفوف المشجعين فلاتجده يهدا ساعة ولا يجلس دقيقة…
عم عطية اللابس الساعة البركل غالب واللا اشاعة
ذاك كان هو الهتاف الذي يناكفه به مشجعوا الفرق الاخري في كريمة ولكن بمحبة ومودة واعزاز!…
فلا احد يضمر للرجل سوءا بل مامن احد في كريمة او البركلين الا ويكن له كل محبة واعزاز…
ما ان ياتيه الهتاف من مناوئيه الا وينطلق روحة وجيئة امام مقاعد المشاهدين علي طول جانب المضمار لينادي في المناصرين بصوته الجهوري بان:
بركل يلعب
فيجيبه الناس بان:
جوة الملعب
وسط الملعب
وما كان يخذله اللاعبون ابدا…
فخلال عقدين من الزمان او اكثر احتكر فريق البركل لكرة القدم جل ان لم يكن كل بطولات المنطقة…
بل استطاع الفريق ان يقارع فرقا كبيرة مثل موردة الخرطوم وسارية شندي وغيرها كثر…
لقد كانت لعم عطية ابتدارات فطنة وزوايا نظر تنم عن رجاحة عقل وذكاء يتبدي جليا خلال العديد من آرائه وملاحظاته التي يبديها…
فلان نسيت فلا اخالني انس يوم فاز البركل في مباراة صعبة علي فريق الجبل وكان شقيقي حاتم عسوم -في بداياته- حارسا للمرمي والكل يعلم بانه قد كان ينبغي له ان يكون ضمن كشوفات النادي المنافس نادي الجبل الذي يديره حينها خالي الصديق حاجنور فاذا بعم عطية يطلب من الحشد-بعيد المباراة- ان لايذهبوا الي النادي مباشرة انما تمون الوجهة في البدء الي دارنا في البركل وماذلك الا احتفاء بحاتم…
كم ترك ذاك من ايجاب كثيف في وجدان شقيقي حاتم!…
واذا بشقيقي يقول لي:
والله ياعادل حسيت في اليوم داك انو عم عطية دا دارس علم نفس!.
هذه الحياة ليس بالضرورة أن يرسم لنا شواهدها السياسيون وأصحاب المؤهلات الدراسية العالية اذ هؤلاء مهما كانت بصماتهم وحجم تأثيرهم الاّ أن السير والتأريخ قد أثبت بأن أمثال عم عطية لهم القدرة على تشكيل وجدان الناس بأكثر منهم!…
وما ذاك الاّ بما حباهم الله له من قدرة الى الخلوص الى دواخل الناس وترك بصمات جميلة ومؤثرة تعين على تذليل الكثير من صعاب هذه الحياة…
فالرجل رحمه الله قد تميز بالكثير:
القدرة على التصبار والتحمل…
التواجد بين الناس كمثال يقايس الناس عليه فيستسهلون كل ماينزل بهم من مصائب…
التمتع بصفة عجيبة وهي أدخال السعادة الى حياة الغير وبالتالي تبديل أحزانهم.
فلقد مضى فينا بأن أحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم…
أو تكشف عنه كربة…
أو تقضي عنه دينا…
أو تطرد عنه جوعا…
ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إليّ من أن اعتكف في المسجد شهرا…
ومن كف غضبه ستر الله عورته…
ومن كظم غيظا ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رضا يوم القيامة…
ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له أثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام…
وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل…
عم عطية ترجح كفة ازجاء الزمان له بأثقال تنوء بكاهل الرجال ياأحباب…
ازجاءٌ لعله نتاجٌ ل(مباشرة) أهلنا في تلك الديار!
انه التنميط الذي ينأى عن ترجيح الله الخالق للناس أبيضهم وأسودهم بال(تقوى) وليس باللون…
لكن عم عطية احتمل الازجاء…
احتمله لثقته في رجحان وجدان الناس بالخير والسماح…
وما ذاك الا لعشرة السنين وتداخل الأعوام…
لذلك لم تنكسر له هامة…
ولم يتلعثم له لسان وهو يقول للذي أزجاه يوما في جامع العبدلاب من تالا المزيرة:
-ياولدي انت ربنا دا كان غالبو يخلقني محل أبوك ويخلق أبوك محلي؟!

عظمة عم عطية هنا أنه قلب المعادلة!…
لقد (وسع) الرجل المجتمع بأسره بدلا عن أن يسعه!…
ياترى:
لو اتسقت المعادلة وفعل المجتمع مافعله عم عطية هل كنا سنرى (احنا) تودي ب(اعراق) واجزاء من هذا الوطن إلى التفكير في انفصال؟!
ليس من العدل أن نطالب الناس بأن يكونوا عم عطية بل على كل الناس أن يفعلوا فعله أن رمنا لهذا السودان أن يكون…
ليتنا نلغي في ابجدياتنا مفردة الunderestimation ونناى بها عن قاموس حياتنا نأيا…
‏عن ‏ ‏أبي سعيد الخدري: ‏
‏أنه سمع النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول ‏ ‏”إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها فإنما هي من الله فليحمد الله عليها وليحدث بها وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان فليستعذ من شرها ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضره”.
رواه أحمد و البخاري.
انه عم عطية…
رأيته يأخذ برسن حصانه ويلج به إلى النيل مما يلي البركل…
اليوم كاني به جمعة لصيف يبتدر خطوه لتوه…
واذا بي بوضاءات ثلاث:
اشعة شمس الصباح)…
و لشغ الامواه من يديه على جسد الحصان…
وبريق ابتسامة تسع الدنيا بما فيها.

عادل عسوم