رأي ومقالات

تحليل سياسي لخطاب البرهان

حضر البرهان لكل شئ لأجل ملحمة الامم المتحدة فقد كانت مهمة للجيش اكثر من معارك الخرطوم ،بدأ التحضير مبكرا حين قرر الجيش في يونيو الفائت مشاركة قائده في الجمعية العامة للأمم المتحدة وأخرجه باكرا من القيادة العامة خارج أرض الاحتمالات كما يسميها الاستراتيجيون تحسبا لأي طارئ وبالفعل في أغسطس اخرج الجيش قائده في عملية نوعية قال عنها البرهان وقتها باقتضاب :(خرجت بقرار من الجيش) وكان هذا هو القرار .

حشدت لهذا اليوم مجموعة من الاهداف وحددت مجموعة من النقاط كتارقت واجب إنجازه قبل الاجتماع كما وحددت عدة أهداف مطلوب تحقيقها من خلال الجمعية العامة وأهداف اخرى ما بعد انتهاء الجمعية، جمع البرهان رسائله الثمينة رسالة لكل هدف .

كل السودانيين كانوا ينتظرون قائد الجيش وهو يخطو نحو منصة الأمم المتحدة من قبل يومين من بدء الاجتماع حيث كانت تغلي الاسافير مما يوحي بوعي وطني جديد إذ لم يسبق ان اهتم الشعب السوداني في تاريخه بخطاب مماثل ،لقد حظي باهتمام اكبر من مشاهدات كرة القدم وفي سابقة فريدة واشارة خير تعني ان السودانيين على وعي بالخطر المحدق وهو هدف مهم لم يكن بالحسبان تحقق دون تخطيط بفعل الارادة الإلهية تلك الارادة التي حمت السودان من اكبر واضخم مخطط استهدف وجوده.

لقد تجاوز البرهان اشتكال من بدا الحرب ما يعني ان الصورة باتت جلية جدا لدى المجتمع الدولي الأمر الذي لم يعيه الأعداء فحضروا خطابا مماثلا في توقيت مقارب لخطاب القائد العام ويسبقه ولكنه غرق في المغالطات واكتظ بالاكاذيب والغرائب ولا أغرب من ان يتحدث حميدتي او صورته حيا او ميتا فقد مات في قلوب السودانيين وانتهى الأمر ،لا أغرب من ان يتحدث السفاح عن حقوق الإنسان ولكنه العمه الذي اصاب القوم وبعدهم عن حقيقة ماتشعر به المجتمعات .

لم يجهد البرهان نفسه فقد كان مركزا جدا وهادئا جدا وواثقا جدا ومصمما جدا ،لقد حشد البرهان لهذه اللحظة كل ذاته وعقله وروحه ،حتى الأنفاس كان يحسبها كقناص يرقب فريسة ويمرر النظر ،لم يضيع وقته المحسوب ووضع الرسائل كطلقات خارقة في صناديق المعنيين .
الرسالة الأولى كانت لمنضدة الأمم وتحديدا اقطاب العالم حين أكد ان هذه الحرب اقليمية وانها مدعومة بقوة وان عليهم التحرك لقطع أنفاس ذلك الدعم ومؤكد انه تم التمهيد لهذه الخطوة بعمل مخابراتي عالي يتضح ذلك من التحركات الأمريكية قبل الاجتماع .

الرسالة الثانية كانت للمنظمات الاممية ولوبيات صنع القرار سيما اليونسكو حين أوضح ان المليشيا استهدفت الانسان والتاريخ، هو تدمير حضاري ممنهج اذن ،وستظهر في مقبل الايام اثار ذلك .

ولم تكن رسالة واحدة إذ كانت الإشارة الي الاغتصاب والنهب والحرق سيما دارفور رسالة في بريد (البلاك لوبي) بأمريكا والذي كان متحفزا اصلا بالهاب السلطان بحر سلطان المساليت للمحاكم الدولية مطاردا الدعم السريع في تحضير ذكي للحظة اجتماع الجمعية العامة ولم تزل مشاهد التمثيل بجثة الوالي تملا اذهان المهتمين من الحضور .

الرسالة الرابعة كانت احراجا لايقاد وجدة والقاهرة وتذكيرا لهم ان المليشيا احرجتهم في كل مرة ولم تنفذ شرطا بسيطا للتفاوض وهو الخروج من منازل المواطنين والاعيان المدنية ،وهي رسالة بان فرصتكم القادمة ضيقة ولن تدخلوا سوق التفاوض قبل ان تدفعوا الفاتورة وهي الهدنات المتكررة دون الوفاء باي التزامات.

الرسالة الخامسة اسقطها القناص ببراعة في جيب الأمم المتحدة معلنا لهم ان وقف المساعدات هو الذي يعقد الأمر ويفاقم المعاناة وقد حرثت الدبلوماسية مساحات مقدرة بهذا الصدد ستفتح لهم رسالة البرهان مغاليق كثيرة وستحرك الراكد من تلك المياه .

الرسالة السادسة كانت لدول الجوار وتحديدا إثيوبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى بمثابة تهديد حيث أعلن ان دعم بعض دول الجوار للحرب بات واضحا مغلفا ذلك الإعلان بمسحة تهديد مفادها ان الجميع سيحترق بالنار التي ينفخون فيها ،وواضحا هذه كانت عبارة عن تسجيلات وصور للاقمار الاصتناعية من قواعد ام دافوق وأم دخن تخص تشاد وأفريقيا الوسطى والشيفرليت مع ليبيا ادخالا للسلاح والمعدات والاجهزة ،هذا غير الوثائق التي تثبت تورط إثيوبيا القريبة والإمارات البعيدة طرقت خزائن استخبارات عدة دول عظمى ،وتهديدا مبطنا لجنوب السودان الذي تململ وفده لقلة خبرته، واظن ان سلفاكير ان لم يوقف توت قلواك سيقحم نفسه في الانتقام .

الرسالة السابعة سياسية بامتياز وهي ان الجيش يريد انفاذ التحول الديمقراطي مصحوبا باشارة لماحة ان الدعم السريع قيادته وسنده أسرة ولا يمكن ان تقيم أسرة تحولا ديمقراطيا فكيف تساوي بين مليشيا سندها اسرة وجيش نظامي سنده الشعب.

الرسالة الثامنة وهي الرسالة القنبلة والتي حشد لها البرهان وأجهزة مخابراته المال والاعلام والوثائق كانت هي تصنيف الدعم السريع منظمة إرهابية وهي الضربة القاضية التي يستعد الجيش منذ شهور توجيهها للمليشيا وقد سبقتها تحركات اسفرت عن حظر قيادات في المليشيا منها القائد الثاني وقيود اقتصادية وغيرها ،خطوة اظن بعد حدوثها ستبدأ عملية الاجتياح البري للخرطوم واستخدام القوة القاهرة والقصوى.

ولم ينسى القناص تاسعا واخيرا ان يلوح للجميع ان الجيش سيمضي في مسألة الحسم باي شكل كانت ،حسم بتاييد دولي يقلل الخسائر ويحفظ جميل ألاصدقاء او حسم بلا مبالاة دولية يعظم الخسائر ويذكر بخذلان الأصدقاء فلا خيار امام السودان وجيشه غير الحسم ومعه التفويض والسند الشعبي والمطالبة المستديمة بالحسم .

التقاء مولي في مع البرهان قبل الجمعية كان التقاءا ودودا جدا أوشكت مولي فيه ان تقول للبرهان لقد كنت محقا لقد صدقت كل ادعاءاتك ،وهي ادعاءات متعلقة بالحرب والاقليم وحقيقة الدعم السريع .

وسيعقب الخطاب امام الجمعية العامة لقاءات مهمة لجني ثمار الخطاب والتحركات السابقة طيلة الخمسة أشهر ولكن .

ولكن هذه تحمل الف شيطان وشيطان إذ يكمن الشيطان دوما في التفاصيل ،الناظر بعمق لكل ما يحدث وتحرك الإدارة الأمريكية في الشهر الفائت وسحب ملف السودان من الخارجية للبيت الابيض ما يسهل على الاستخبارات العسكرية الامريكية المساهمة بشكل اكبر والحفاوة التي لقيها البرهان من المسؤولين الامريكيين تعزز موقف السودان وفي ذات الوقت البرهان ،ذلك يعني ان الرجل هو المفضل لدى الولايات المتحدة وربما يمثل الحليف الاقوى ما يستوجب على حلفائه في السودان ان يكون لديهم أدوات اكثر مضاءا لانفاذ رؤاهم فالجلي والواضح ان البرهان المنتصر عسكريا المسنود شعبيا والمقبول دوليا سوف لن يحتاج لأي ظهير فلم تجتمع هذه العوامل ولم تتوافر لقائد في الجيش السوداني طيلة تاريخ السودان فلينظر حلفاؤه ماذا هم فاعلون.

المهم ان يكون اثر النظر بعد انقضاء الحرب وسحق التمرد واستقرار البلاد وبعدها لتستمر اي لعبة كانت.

جمع وتلخيص
✍️ دكتور أمين إسماعيل مجذوب
مركز جنوب الصحراء للفكر والدراسات الاستراتيجية