رأي ومقالات

الحذر لا يمنع القدر

عندى صديق سعودى اسمه على الغامدى شديد الحرص اذا سمع بانفلونزا الطيور حرم الدجاج عاما كاملا واذا سمع بجنون البقر امتنع عن تناول اللحوم والالبان تماما ومن شدة حرصه على نفسه كان اذا اشترى ملابسا اوحذاءً لا يمكن ان يقبل بدون ان تكون بصناديقها وبقراطيسها ولم تفتح قبله حتى يضمن انها لم تجرب وتلبس لاخذ المقاسات وكنت امازحه كثيرا واقول له انت الآن تغلق مدخلا واحدا وللقدر مداخل كثيرة فيقول لى جادا يااخى انا بشترى بفلوسى ليه اشترى مستعمل اوملبوس .. انقطعت اخباره عنى برحيله عن الحى الذى اسكنه وقبل ايام صليت فى احد المساجد فى احد احياء الرياض لأرى صاحبى الغامدى يصلى على كرسى , نظرت الى جسده لم ارى فيه اى مرض جلدى ونظرت الى رجليه سليمة كما هى ولكن ما اقعده شىئا آخر ليس له اى علاقة بهواجسه وخوفه وحذره فقلت فى نفسى لو ان الحرص ينجى لما جلس الغامدى على هذا الكرسى عاجزا عن الوقوف .
وعندى صديق آخر سودانى زاملنى فى سنين الغربة وكان يكبرنى قليلا فأطلقت عليه اسم عمى الشيخ وعمنا الشيخ استاذ وانسان رائع ومحترم يجبرك على احترامه ولكنه كان شديد الحذر والخوف عندما يعبر الشارع تجده ينظر خلفه وهو يعبر للامام وعندما تضحك عليه وتقول له طيب ليه بتعاين وراك وانت بتعبر الشارع يا عم الشيخ ؟ اقوليك كيف يااخى لا زم تعمل حسابك شديد فى البلد دى البدو ديل بالعين الحبوب .. وننفجر بالضحك مرة اخرى ..

وفى ذات يوم كثير الغيوم قصير العمر وعمنا الشيخ يعمل فى محله التجارى وبدون سابق انذار وقع على الارض وحمل الى المستشفى ليدخل فى غيبوبة يودع بعدها الحياة وشوارع وعربات الرياض التى لم تمسه ولو بخدشة وكان نبأً حزينا وفقدا كبيرا ندعوله بالمغفرة والرحمة .. فقلت فى نفسى وكلما طافت بى ذكرى عمنا الشيخ والله لو ان الحرص والخوف والحذر ينفع احدا فى هذه الحياة لما مات عمنا الشيخ فجأة ولو كان يعلم أن الموت يأتيه هكذا لما وقف طويلا ينتظر الشارع حتى يخلو ليعبر الطريق.

احمد بطران