سبق وأن كتبت عن أياديهما البيضاء على المنطقة. الهيلة والبدري. أو البدري والهيلة. المهم في الأمر أن الرابط بينهما حرف العطف الواو. وهو يفيد المشاركة. وأي مشاركة أفضل من الإيثار. ياسر الهيلة مواطن ألماني.
ولكن لم تبهره أوروبا بحضارتها المادية. ولم تأخذ منه قيم مجتمعه التي تربى عليها. بل كان ومازال ابن عريك. لم ينس الأم المسنة. ولا الوالد العاجز. ولا الأرملة الفقيرة. ولا الطفلة اليتيمة. حمل هموم كل هؤلاء بين ضلوعه. وقد ظهر الرجل هذه الأيام وأهله قد نالهم ما نالهم من تداعيات الحرب. فالذي عرفته من بعض الصادقين. ورأيت بعضه بأم عيني أنه اشترى دقيقا وزيتا بقرابة (١٢) مليار. ووزعه بالمنطقة مساهمة منه في دفع ورفع شبح المسغبة. السؤال: كم من شاب من أهل المنطقة ببلاد العم سام أو الخليج؟.
بالتأكيد كثير وكثير. ولكنهم في النائبات قليل. لأنهم حبيسو النفس الشحيحة. والغريب في الأمر أنهم يعلمون فاقة المنطقة. وليت الواحد منهم دفع مبلغ ألف دولار فقط لأسرته الصغيرة. علما بأن جوال العيش (ود أحمد) بمبلغ ثلاثين ألف جنيه فقط. يا هذا الإسلام قول وفعل. فإن كنت أسير الخوف من الفقر. فكف عنا لسانك. لأننا لسنا بحاجة لمناقشتك لنا.
أما الثاني علاء الدين البدري. فأعلم بالكاد (قيطان لمبته يلامس الجاز). أي: متوسط الحال. ولكن النفس التي تربت على العطاء بالرغم من الخصاصة. لا تهدأ حتى تجود بما تملك. ونحن في زمن مسغبة الحرب الحالية. جمعتني الظروف به في سرادق عزاء. وبالتأكيد تناولنا في أطراف الحديث (مجريات الأحداث عامة). وعرجنا على مشكلة المنطقة المتمثلة في تمويل مشروعي: عريك والعرشكول الزراعيين. وخاصة والوقت قد عدى. فما كان من البدري إلا أن أعلن لي باستعداده للتبرع بمبلغ (٣) مليار للتمويل. على أن يستكمل الأهل ما تبقى من الخيرين.
ونقلت الخبر فورا لأحد القائمين على الأمر. وذكر لي بالحرف الواحد بعد شكره ودعائه للبدري بأنهم في يوم غد لديهم موعد مع مستثمر. فإن توصلوا لاتفاق كفى الله القتال. وإن كانت الأخرى فلا بديل غير بديل البدري. والحمد لله توصلوا لاتفاق مع المستثمر الحالي (ود سليطين). عليه تلك نقاط من بحر عطاء هذين الشابين. قدما بصدق (إنما نطعمكم لوجه الله… لا نريد منكم جزاء ولا شكورا). والمحير في الأمر أن مطرهم طبيعي ليس فيه مننا ولا أذى. أي: لم يكن مطرا صناعيا القصد منه القيادة الكذوبة.
وتصدر المجالس (بالحلقوم الكبير). عليه ننادي أيا خيل الكرم أركبي. فإن جحافل الفقر بساحات (اللحم الحي). فالجود بالموجود. وربما ملوة عيش تحجب امرأة من الإنحراف. وخلاصة الأمر ما قام به الشابان لم يتم الترتيب له بينهما. ولكن قوافل الخير عفويا تلتقي عند قنطرة حاجة الأهل. وقد قدما درسا ليت يستفاد منه في مقبل الأيام. عليه نقول:
هؤلاء إخواني فجئني بمثلهم *** إذا جمعتنا يا بخيل المجامع.
د. أحمد عيسى محمود
عيساوي
الجمعة٢٠٢٣/١١/٣
