🔴 عن الشفشفة وشفافية حميدتي !
كانت الجرعة الدينية في الخطاب الأخير لقائد التمرد أكبر من المتوسط عند من “يتهمهم” بالأدلجة، وهذا كان سيتسببب في ارتياح بعض المواطنين المتدينين وتبرم الحلفاء العلمانيين لولا اتفاقهم التام في القناعة التامة بأنه ينافق ويتاجر ويضحك على الذقون !
بلغ حكم الناس السلبي على مصداقية الدعم السريع الحد الذي جعل نسبة كبيرة منهم ينظرون إلى نسبة الخطاب إلى حميدتي كأول الكذبات، ليصبح السؤال الأكثر رواجاً بينهم : هل يمارس عادته ويكذب بنفسه أم إن من خلفوه قد ورثوا الكذب منه ويكذبون باسمه بذات الإتقان للكذب الغبي ؟!
“أسواق دقلو” هي التجسيد الأقصى لمقولة ( زمن الغتغتة والدسديس انتهى )، حيث “الشفافية” التامة في إعلان جنود الميليشيا لحقيقتهم عند جمع/ نهب البضائع/ الغنائم، وحيث التسمية العفوية الشفافة التي لا تقابلها الميليشيا بتسمية تجميلية بديلة، وحيث العرض الشفاف للمسروقات، وحيث الشفافية في عدم وجود الضمانات وخدمات ما بعد البيع، وحيث المساومات الشفافة وأسعار القطاعي المنخفضة التي تكشف عن صفرية سعر الجملة وعن نوعية إحساس جنود الديمقراطية بمعناة الشعب، وحيث حديث صاحب الأسواق بأنه لا يعبأ ( بكلام الناس ) !
قال حميدتي بعد فض اعتصام القيادة ( “النيقروز” ديل حرامية يمكن يسرق هنا يشيل هنا يخطف هنا ينط في بيت هنا لكنهم يوم الاعتصام بالدفارات بالحافلات وببكاسي الخرطوم دي كلها قاموا في آن واحد نظام جيش مرتب )، على عكس حديثه ذاك عن تخليهم عن عملهم المعتاد، وقيامهم بعمل سياسي عسكري ذي صلة بفض الاعتصام يحاول الآن أن يوحي بتركيزهم على عملهم المعتاد من سرقة ونهب وأن هذا هو التفسير الوحيد لعمليات السرقة .. من يصدقه في الأولى له أن يحدثنا عن إمكانية تصديقه في الثانية !
الحقيقة أن معتادي الإجرام يجمعون الآن بين الدور العسكري كمجندين، وممارسة عملهم المعتاد، لكنهم مجرد “قشاشين” يأتون ( بعد ) المتمردين للسرقة ويأخذون ما يستغنون عنه، ويأتون ( قبلهم ) في القتال لينظفوا الألغام بأجسادهم وليتلقوا الضربات الأولى، وهم بالتأكيد – كمعظم جنود الميليشيا – مسطولين لا متوضين !
لولا عدم جديتها ووظيفتها التجميلية التخديرية لواجهت لجنة عصام فضيل، في ظل ضخامة الإجرام، معضلة لا سبيل إلى حلها : إن تحدثت عن ضخامة ما أنجزته فقد اعترفت بضخامة إجرامهم، وإن أعلنت عن إنجاز متواضع فقد اعترفت بعدم فعاليتها، ويبدو أنها قد اختارت حل المعضلة بالصمت، ولهذا لم يأتِ قائد التمرد على ذكرها في خطابه الأخير المليء بالحديث عن “التفلتات” . ولن نستغرب إن اكتشفنا ذات يوم أن عملها الحقيقي كان هو تنظيم السرقات !
لقد ثبت أن سوء ظن الحكومة وسوء ظن الشعب في الدعم السريع بعد تحولاته في السنين الأخيره أقل بكثير من المطلوب، فسوء الظن المطلوب كان يفرض البقاء في حالة الاستعداد العسكري بنسبة ١٠٠٪، وكان يفرض أيضاً أن تحدث أكبر عملية نقل وتأمين للأموال والممتلكات خارج الأماكن التي يحتمل أن تصل إليها يده، وعلى زعم كاذب بحدوث شيء من هذا في المدرعات يعتمد قادة التمرد في تحشيدهم للجنود لخوض مغامرة غزو المدرعات لاغتنام الأموال !
إذا كانت أكبر عملية نهب في تاريخ السودان هي مجرد “تفلتات” لا ينبغي أن تُبنَى عليها مواقف أو يُعاد النظر في تحالفات، إذا كان هذا هو ما يريد قائد التمرد أن يقوله، وما تريد أحزاب قحت المركزي وتوابعها أن تردده عبر مواقفها، فإنه يمكننا استناداً على هذا التعريف للتفلت الذي لا يتخطى الحد المقبول أن نتوقع شكل “التفلتات” السياسية وغيرها التي لا تشين نظامهم “الديمقراطي” !
إذا كان بعض القادة من حلفاء الميليشيا – الذين لم تعصمهم أوامر الحماية الخاصة من نهب جنود الميليشيا – قد وجدوا التعويض المادي من الميليشيا مقدماً عبر الرشا السابقة للحرب، أو وجدوه عبر تمويل الميليشيا لنشاطهم الحالي، أو خدروا أنفسهم بالتعويض السياسي، ونتيجة لهذا غفروا للميليشيا “مظلمتهم”، فإنهم يخدعون أنفسهم حين يطمعون في أن يشاطرهم المواطنون الغفران بتعويضات بله بدونها !
إذا صح ما زعمه قائد التمرد من براءة جنوده المتوضين ومسؤولية المساجين ومعتادي الإجرام لن تكون السرقات هي ثالث ما يخشاه الناس بعد خشيتهم على أعراضهم وأرواحهم عندما يتقدم المتمردون إلى منطقة، وأول وأكثر ما يحدث بعد سيطرته عليها، لن يكون هذا، ما لم يكن المساجين ومعتادي الإجرام في طليعة جيشه !
يطالب الجميع عدا حلفاء الميليشيا بإخلاء البيوت كشرط للتفاوض، لكن المفارقة أن نوعاً من “إخلاء البيوت” قد حدث فعلاً حتى وصلت بعض محتوياتها إلى تشاد والنيجر وما وراءهما، وبقدر ما يشدد الجيش على إخلاء البيوت من المتمردين والمرتزقة الأجانب يجب أن يشدد على معالجة أمر “الإخلاء” الذي حدث فعلاً وتعويض المتضررين .
لن نتجاوز الحقيقة إن قلنا إن “الغنائم” التي يجمعها المتمردون من البنوك والأسواق والوزارات والمؤسسات والمنازل الآن هي صورة مصغرة لما كانوا ينتوونه من اغتنام إذا نجح انقلابهم، فالدولة كلها بكل مقدراتها كانت هي الغنيمة وما كان حلفاؤهم لينالوا إلا الفتات، لكنه ربما كان سيرضيهم !
سيصبح تصدي الجيش للتمرد “حرباً عبثية” فعلاً، كما تقول قحت المركزي، إن جرت المفاوضات كما تشتهي ويشتهي المتمردون،
وتمت مكافأة الدعم السريع على تمرده وتخريبه وإجرامه ونهبه بتحقيق معظم أهدافه من التمرد !
إبراهيم عثمان