رأي ومقالات

سعدية مفرح: عن حرية الرأي نتحدث!


معظم منصات السوشيال ميديا المهمة معهم، باستثناء منصتي إكس(تويتر) وتيكتوك، ومع هذا لم يتحملوا، بعض المحتوى الحقيقي بشأن ما يجري في غزة والذي يشارك بكتابته وصناعته أفراء مستقلون، فبدؤوا بشن حملات على المنصتين لقتل المحتوى المساند للفلسطينيين.

‏عن حرية الرأي كما يفهمها الغرب أتحدث! وهي حرية لطالما صدعوا رؤوسنا بها حتى صدقناها، وصدقنا أنهم النموذج المثالي لاحترام الرأي والرأي الآخر، ما دمنا لسنا المعنيين بما تتناوله من قضايا، أما وقد أصبحنا نحن القضية ونحن المادة المقصودة، فسرعان ما اكتشفنا أنها حرية خاصة جدا، مفصلة وفقاً لمقاساتهم وقياساتهم هم وحدهم، ولا ينبغي أن تتعدى المقاسات ولا أن تتجاوز القياسات. فإن فعلت ذلك ولو لمرة واحدة، وبسبب حجم ما انكشف من الحقيقة، فلا بد من خطاب جديد للشذيب والتهذيب وإعادة تعريف المصطلحات كما يناسبهم ويليق بإنسانهم الغربي الأبيض فقط!.

الضغوط التي مورست ضد منصة تيكتوك منذ بداية طوفان الأقصى وتمارس الآن ضد منصة إكس وصاحبها إيلون ماسك تبين لنا مقدار الأثر الذي تركه ويتركه المتابعون المحايدون المستخدمون لمنصات التواصل الاجتماعي لصالح القضية الفلسطينية، باعتبارها قضية حق ضد الباطل. وهو ما سبب رعباً للصهاينة الذين اعتمدوا كثيرا على رواج سرديتهم الكاذبة والمزيفة طوال عقود من الزمن بواسط الإعلام المنحاز والمسيطر عليه من قبلهم. وكان لا بد من صدى لهذا الرعب من حكومات أمريكا والغرب، وهو ما عبرت عنه تلك الحكومات من رفض لسلوك الجماهير الذي حاصرهم في ديارهم ليس على وسائل التواصل الاجتماعي وحسب ولكن أيضا على الأرض في مسيرات ومظاهرات يومية ترفع فيها الأعلام الفلسطينية كما لم يحدث بهذا الحجم في الماضي أبدا.

إيلون ماسك نشر بيانا قبل يومين على حسابه في إكس طالب فيه جمهور المنصة أن يسانده من أجل حرية التعبير عن الرأي في المنصة الشهيرة، بعد حملة مقاطعة الإعلانات فيها والتي شنتها ضده شركات كثيرة بضغط من اللوبي الصهيوني في الغرب. قال ماسك في بيانه إن المقاطعة التي يتعرض لها ساهمت بهدم فكرة حرية التعبير، خاصة أنها قائمة على رؤيتهم لمنصة إكس التي أصبحت تهدد سرديات اجتهدوا من خلالها بأدلجة الجماهير كما يرغبون.

ورغم أن ماسك أكد أنه لن يخضع لهذا التهديد المباشر لسياسة إكس، وأنه سيبقى مؤمنا بحرية التعبير وأهمية الحفاظ عليها، الا أننا لا نعلم إن كان ذلك سيستمر طويلا أم أنه سيغير رأيه في نهاية المطاف، بالنظر لقوة الشركات المقاطعة له، وما تمثله إعلاناتها من دعم لاستمرارية المنصة شبه المجانية.

ليست الشركات الخاصة وحدها من تصدت لمهمة مصادرة حرية الرأي من منصة إكس، فحتى بعض الأجهزة والمؤسسات والمنظمات الرسمية فعلت ذاك بكل وقاحة.

المفوضية الأوروبية على سبيل المثال طلبت من أجهزتها تعليق حملاتها الإعلانية المخطط نشرها على منصة إكس أيضا، وبنفس الحجة، وهي الزعم بأن المنصة تنشر خطاب كراهية! والمنظمة تعني بخطاب الكراهية تغريدات المستخدمين المساندين لغزة، أما ما يفعله وينشره الكيان الصهيوني من قتل ودمار وقصف لم يسلم منها حتى الأطفال الخدج في حاضناتهم فهو، برأيهم، خطاب محبة وسلام.. وأي سلام!.

البيت الأبيض بدوره، وجد فسحة من الوقت في زحام الأحداث المسؤول عنها في الكرة الأرضية بأسرها، ليدين به إيلون ماسك ومنصته بسبب ما سماه «الترويج البغيض لمعاداة السامية»، وهي التهمة الجاهزة أو العفريت الذي يستحضره الغرب ليتهموا به غيرهم كلما أعياهم البحث عن تهمة لأي خصم يعكر صفو كيانهم الصهيوني المدلل!.

الغريب أنهم وجدوا فعلا من يصدق كذبهم المفضوح هذا تحت الشعار القديم المكشوف زيفه ذاته، وهو شعار احترام الرأي والرأي الآخر، أما الأغرب فهو أن كثيرا ممن صدقهم أو انساق وراء دعاياتهم الكاذبة هم ممن ينتمون لنا، أي أولئك الذين بلغ من تصهينهم أنهم أصبحوا لا يرون إلا بعيون الصهاينة. ولا يسمعون إلا بآذانهم. لكن الحمد لله أنهم منكشفون جدا، لنا ولهم!.

سعدية مفرح – كاتبة كويتية
صحيفة الشرق القطرية