رأي ومقالات

رشان اوشي: حتى لا يصبح “شيبة ضرار”.. حصان طروادة

قال الفيلسوف الأميركي جورج سانتانيا: “من لا يعي دروس التاريخ سيعيش أحداثه مرة أخرى”.

كان عام 2023م ، عامَ الهزّات الكبيرة في السودان، الدولة تعيش في حالة تفكك شامل، أجهزة الحكومة العليا، مشتتة بين الخرطوم وبورتسودان ، رغم أن الجيش الوطني يبلي بلاءً حسناً على مستوى العمليات العسكرية في مواجهة التمرد ، والدليل على ذلك ان مليشيا الدعم السريع

حين بدأت حربها على السودان ، ترافق العنف مع صوت يفوقه عنفاً: عدم القبول بما هو أقلّ من اجتثاث “الجيش السوداني ” واستلام السلطة من دون قيد أو شرط أو تفاوض أو تبادل، كانوا يحلمون بنصر مطلق ، وكان المآل سحق التمرد على نحو “مطلق”.

ساقتني الاقدار أمس إلى حيث دار تحالف احزاب وحركات شرق السودان الذي يقوده “شيبة ضرار” ، وهو احد قادة الكفاح المسلح بالشرق إبان فترة التسعينيات، مناسبة الزيارة كانت نتيجة مكالمة هاتفية بادر بها الاخ والصديق ، “خليفة هيكش” ، وهو ناشط مثابر يبحث باستمرار عن حقوق أهله ، أبلغني “هيكش” ان حساب فيس بوك مزيف يحمل اسمي كتب منشوراً يسيئ ل”شيبة ضرار” ، مؤكدا على تفهمهم للموقف وعلمهم التام بالحرب الاعلامية التي تشنها المليشيا ضدي وضد كل الإعلاميين المنحازين لقوات الشعب المسلحة في حرب الكرامة ، ودعاني لمقابلة “ضرار” للنقاش حول آرائه وأفكاره، كانت مناسبة جيدة للقاء هذا الرجل ومحاولة فهم ما يدور في ذهنه .

أمام مقر “تحالف احزاب وحركات شرق السودان” ،كانت هناك مجموعة من الشباب تتلقى تدريباً عسكرياً، واخرون داخل فناء الدار يعملون بجدية في تفكيك وتركيب سلاح الكلاشنكوف، صراحة بدا الامر بالنسبة لي مزعجاً ومخيفاً، كنت أتساءل لأي هدف يخطط هذا الرجل ؟.
وبالطبع كان هذا هو سؤالي الذي باغت به “ضرار” لماذا تفعل كل هذا؟، جاء رده صادماً:”ابحث عن حقوق اهلي”، بالطبع ل”شيبة ضرار” بحسب خطابه المعلن قضية عادلة ، مسألة التهميش التنموي كانت دافعاً كبيراً لقطاعات واسعة من الشعب السوداني لمساندة كل من يرفع شعارات المطالبة بالحقوق المدنية حتى وان كانت كلمة حق أريد بها باطل .

يعيش شرق السودان تحت نير الظلم التنموي لعقود، هذه حقيقة واضحة كالشمس ، ولاية البحر الاحمر على سبيل المثال تفتقر لأهم الخدمات وهي “الكهرباء ومياه الشرب” ، بينما تتكئ على أكبر موارد السودان “ميناء بورتسودان ” وتعدين الذهب ، ولكن حالها كالعير في الصحراء يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمول.

محطة كهرباء “كلانييب” التي ستوفر حلاً جذرياً لأزمة الكهرباء في البحر الأحمر ، توقف العمل بها بسبب سوء السياسات والفساد الذي ضرب عصب الدولة السودانية خلال (4) أعوام مضت ، تحتاج لاستئناف العمل بها قرار تنفيذي يلغي عقد رجل الأعمال ” اوكتاي” ومبلغ (250) مليون دولار، وبالتأكيد هي تكلفة زهيدة في مقابل حل المشكلة جذرياً، ولكن متخذ القرار اعتاد على حل الأزمات بتجاهلها حتى تتفاقم وتنفجر، (سنعود لقضية محطة كهرباء كلانيبب بالتفصيل لاحقاً).

“شيبة ضرار” أكد أنه يساند القوات المسلحة في معركة الكرامة ولكنه يتحفظ على سياسات الحكومة الظالمة، وكانت مطالبه بسيطة ومستحقة، وتتلخص في الاهتمام بتنمية المنطقة، واستيعاب ابناء البجا في الخدمة المدنية، والحصول على نصيب عادل في السلطة ، لا اظن ان ما يطلبه “ضرار” أمراً معيباً او باهظ التكلفة حتى تتجاهله الدولة وتتركه فريسة لأصحاب الأجندات الهدامة، وهدفاً سهلاً لأذرع مشروع تفكيك السودان .

يستحق اهل الشرق الاهتمام بهم ، وتلبية مطالبهم العادلة، ويجب على الدولة ورئيس مجلس السيادة تحديداً النظر لمطالب ونشاط “شيبة ضرار” بعيون جادة في مسألة البحث عن حلول تلبي تطلعات أهل شرق السودان، في كيفية الاستفادة من مواردهم المحلية في النهوض بالاقليم.

انا على يقين ان “ضرار” تحركه دوافع وطنية، وانه لن يكون مخلب قط لاعداء السودان، لذلك يجب عليه الانتباه جيداً لخطورة بناء المليشيات حتى وان كانت تدافع عن قضية عادلة.
التمليش تحت شعارات المطالبة بالحقوق، اثبت واقع الحال في السودان أنه كان رمزاً للخداع على مر التاريخ كأسطورة «حصان طروادة» الذي قدمه الإغريق هديةً خشبيةً عملاقةً لمدينة طروادة، أعجب به سكان المدينة، ولما جنى الليل طاب لأهلها إدخاله إلى قلب مدينتهم، ثم سرعان ما قفز منه أشرس المقاتلين الإغريق القابعين في جوفه ليعيثوا في المدينة فساداً.
محبتي واحترامي

رشان اوشي