كتب ذابت مع الزمن..
نشطت حركة الترجمة الحديثة من اللغة الصينية إلى العربية في الستينات من القرن العشرين، وتوسع هذا النشاط الترجماني في سبعينات القرن العشرين، وبالطبع، كانت وراء حركة الترجمة هذه مؤسسات الدولة الصينية، ثم، لا يخفى على أحد الدوافع الايديولوجية بالدرجة الأولى لهذه الترجمة المنظّمة آنذاك، والتي كانت توازيها حركة ترجمة أخرى من الروسية إلى العربية وكانت لها أيضاً الدوافع الايديولوجية نفسها..انطفأت هذه الترجمة المنظّمة عند انهيار الاتحاد السوڤيتي، وما عاد للترجمة من هذا النوع أي أثر ثقافي أدبي حين انسحبت المؤسسات الرسمية الصينية والروسية من مشاريعها الترجمانية هذه بعد حقيقة اللّاجدوى الايديولوجية والسياسية منها.
تستطيع القول في ضوء ذلك إن كل مشروع ترجمة يرتبط بوظائف سياسية عقائدية موجّهة وذات هدف دعائي نفعي إنما مصيره إلى الانطفاء، ومن ناحية عملية.. من بوسعه الآن أن يعود إلى قراءة الكتب التي كانت تصدر عن دار التقدم في موسكو، ودار النشر باللغات الأجنبية في بكين، وكانت منتظمة الصدور في الستينات والسبعينات من القرن العشرين وبطباعة مهنية أصيلة، بل، إن كتب دور النشر الصينية والروسية في بداية النصف الثاني من القرن العشرين كانت أكثر جودة من الكتب الصادرة عن دور النشر العربية آنذاك .الورق، الأغلفة، متانة وقوة الكتاب المطبوع، والحرف، والترجمة، والتوزيع.. كلّها كانت في الاعتبار تماماً بالنسبة لتلك الدور الايديولوجية..
وكل هذه المنظومة المهنية سوف تنطفئ مع انهيار المؤسسات التي كانت تقف وراء هذه المنظومة..بكلمة ثانية، إن المشاريع النشرية والترجمانية من هذا النوع لا عمر ولا حياة لها، لسبب بسيط، وهو أنها مشاريع دعاية وإعلام موجّه.لن يضع القارئ العربي الموضوعي علامة إكس على تلك الكتب الجيدة الصنع والنشر، ولن يشطب بجرة قلم على كل ذلك الورق المحبّر والمغلّف بقوة، كما لو أن دور النشر آنذاك كانت تحكم الغلاف على الأفكار.. لكي لا تتبدّد هذه الأفكار في الهواء..ولكن، ما جرى أن الكثير من ذلك الفكر المؤدلج قد تبدّد ، وإذا قرأت اليوم أدبيات الجمال عند المنظرين الروس، فإنك ستضحك على الكثير من النظريات الأحادية الرؤية والتي تخدم كلها المؤسسة الايديولوجية.
لدّي مما نجا من دعاية تلك المؤسسة كتاب صغير بعنوان «لا تخافوا الأشباح» صدر في بكين، وموجّه بشكل عام للأطفال والفتيان، مزوّد برسوم رائعة بريشة الفنان الصيني (تشنغ شي فا).
إذا استطعت عد لهذا الكتاب القديم.. سوف تستمتع بالرسوم أكثر من استمتاعك بالنصوص.. المملوءة بالأشباح!!
يوسف أبولوز – صحيفة الخليج